مع حلول شهر رمضان من كل سنة يتجدد النقاش حول جودة ومضامين الأفلام والمسلسلات المعروضة أمام الجمهور المغربي، بين من يراها حرية فردية وبين من يراها تهديدا مباشرا لهوية المغاربة الدينية والوطنية المنصوص عليها دستوريا والمعززة شعبيا.
ومن بين المسلسلات التي أثارت الجدل هذه السنة، مسلسل “لمكتوب” الذي عرضته القناة الثانية، وهو يحكي قصة “مغنية شعبية=شيخة” في عدة مواقف اجتماعية، حاول مخرج المسلسل أن يظهرها في مظهر المرأة المعتدة بنموذجها المواجه لشتى مشاكل الحياة. وهو ما اعتبره عدد كبير من المشاهدين تطبيعا مع هذا النموذج الشاذ والمرفوض مجتمعيا.
وفي هذا الصدد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو للداعية ياسين العمري وهو ينتقد دور “الشيخة” في مسلسل “لمكتوب”، مفيدا بأن “الشيخة” ليست نموذجا للافتخار، وأن معظم الأسر المغربية يعتبرونها “وسمة عار”، وأن هذا الواقع الذي يتحدث عنه المسلسل لا يمثل الواقع المغربي.
ومباشرة بعد شهر رمضان خرج إعلان فيلم “الاخوان” للعموم، وصاحبته عدة انتقادات مهنية قبل أن تكون هوياتية، إذ أكد عدد من النقاد السنيمائيين بعد مشاهتهم للفيلم أنه سطحي ومحكوم بالإضحاك دون مضمون تعبيري هادف. فيما اعتبره العديد من رواد “السوشل ميديا” من أساتذة ودعاة تشويها مخلا بالإنسان المسلم المتزن والمعتدل، وعملا يكرر المشاهد نفسها التي تعرض في مصر والسعودية وبعض الدول الأخرى التي تستهزئ من الدين.
وفي هذا الصدد كتب احد النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي “لقد شاهدت العرض الترويجي لفيلم الإخوان، ورأيت مدى السفه والتعيير والشتم الإعلامي المباشر لشريحة عريضة من المغاربة تم الاستهزاء بلباسهم ومعتقداتهم وتم تقديمها في صورة متطرفة عبر عملية الإسقاط المعروفة، والتي هي من وسائل التشويه القديمة”.
وبعيدا عن أفلام ومسلسلات القضايا الاجتماعية، اجتاحت في السنوات القليلة الماضية، بعض الأفلام الخليعة السينما المغربية كفيلم “الزين لي فيك” لمخرجه نبيل عيوش، إذ تم تسريب نسخة من الفيلم الممنوع من قاعات السينما، تتضمن مجموعة من المشاهد الجنسية، الأمر الذي أثار ضجة واسعة.
لكن الغريب أن استحضار المشاهد الخليعة لهذه الأفلام السينمائية، كـ “كازانيكرا” و”حجاب الحب” ..، يبرره بعض المخرجين بالمهنية التي تعتبر في نظرهم نقل الواقع بتفاصيله وإن كان واقعا نسبيا له أقليته الضئيلة في المجتمع. كأن قضايا المجتمع المغربي وحقه في التنمية والرفاه تتوقف على معالجة هذه الظواهر المحدودة سينمائيا.
“بلا وطن”.. “صوفيا”.. “إطار فارغ”.. و”آدم”.. وغيرها من العناوين الصريحة والرمزية، التي تفاوتت قيمتها الفنية واجتمعت في طرحها لقضايا الأقليات بتعبير الحقوقيين. هي أفلام أثارت الكثير من الجدل كذلك بسبب تطبيعها مع ظواهر مرفوضة شعبيا كظاهرة الأمهات من زنا/الأمهات العازبات، والشذوذ الجنسي/المثلية الجنسية.
أيضا، فيلم “علي صوتك” لمخرجه نبيل عيوش، ينقل مشاهد الصراع المحتدم في نفوس أقلية محدودة من الشباب المغربي الذي يقع ضحية لأخلاق وتربية منحرفة ويصورهم المخرج كغالبية عظمى داخل الشبيبة المغربية. تتطور قصة الفيلم فتظهر الشباب يطرحون أسئلة وجودية في السياسة والدين والحب والأخلاق، ويساعدهم مدرسهم ويدفعهم للوصول إلى أقصى الحدود الممكنة، ويعلمهم أن ذلك شرط مهم من شروط الراب والرقص “أن تكون نفسك وأن تعبر عن همومك ومشاعرك بحرية دون أن تلقي بالا إلى من يريدون أن يضعوا العصا في العجلة ويوقفون رحلة بحثك عن ذاتك”.
والفيلم يعالج أيضا ظاهرة الهيب هوب التي تطبع مع الانحلال الأخلاقي والكلام الفاحش والمخدرات والتوحش، وكل ذلك يمرر تحت يافطة عريضة اسمها التعابير الفنية الراقية في القرن 21!!!
كذلك، فيلم “سيدي فالنتاين” لمخرجه المثير للجدل، هشام العسري، وهو فيلم يطبع مع فكرة الاحتفال بعيد الحب والعلاقات الرضائية خارج مؤسسة الزواج. ولأن العسري يعتبر التطبيع مع قضايا المجتمع المثيرة فنا، فإنه يختار في أفلامه معالجة مواضيع الدين والجنس والحريات الفردية باستمرار، في قالب سينمائي ينشر قيم دخيلة على المجتمع المغربي أكثر مما يدعيه من معالجة أو حل.
إذن هي جملة من المسلسلات والأفلام السينمائية التي اجتاحت السينما والتلفزيون المغربي لخلق نوع من التطبيع مع قضايا كانت ومازالت جد محدودة، باسم الفن وحرية الإبداع.