في المغرب ليس ضروريا أن تكون خبيرا محنكا في مجال التعليم، أو ناقدا متمرسا لمناهجه، أو خبيرا قضى جل عمله متأملا في واقعه وتجلياته، حتى تكون ممن يقدرون على تكوين آراء خاصة فيما يخص التعليم الوطني، بل إن كثرة تجارب أرباب القرار جعلت من التعليم الوطني أضخم حقل تجارب فوق البسيطة إن صح التعبير.
فتعليمنا تعليم أسهم بنصيب كبير في إغراق الشارع بالبطالة، وصنع جيلا منفصلا عن هويته وحضارته، وبات جسمه ينخر فيه سرطان الفساد، والتحكم السياسي والإيديولوجي، فكل حزب يسعى إلى تفصيله على قده ومقاسه، وقد بات اليوم مهترأ من كثرة سياسة “الترقاع” حتى اتسع خرقه على راقعه.
لن أغرق في ذكر أسباب فشل التعليم الوطني وسأتركها لبعض زملائي المشاركين في إعداد هذا الملف، وسأنتقل فورا إلى اليابان كنموذج متميز حقق نجاحا في تعليمه، جعله كأحد الدول المتقدمة في سياستها التعليمية والتي كانت في يوم ما في مرتبة الدولة المغربية أو أقل منها.
إن ما حققته اليابان في المجال التعليمي بعد الحرب العالمية الثانية، وما حلّ بها من دمار وظروف قاسية، يعتبر مفخرة لها، حتى أصبحت انجازات اليابان مدار بحث ودراسة ومقارنة العديد من الدول والمراكز البحثية، ولا يمكن تحديد خصائص المناهج التعليمية في اليابان ومميزاتها بمعزل عن خصائص المجتمع وظروفه والعوامل المختلفة التي تشكل وتصيغ شخصية اليابان فرداً ومجتمعاً، إلا أنه يمكن تحديد بعض أهم الخصائص المتعلقة بالمناهج التعليمية في اليابان من خلال ما يلي:
– ارتباط المنهاج التعليمي ومراعاته لخصائص الثقافة والمجتمع الياباني سواءً في عملياته أو إجراءاته، رغم الاحتلال وتأثيره على جميع جوانب حياة اليابان حتى الآن.
– المرونة والقابلية للقياس والاستيعاب للمفاهيم والأفكار الأجنبية وقدرة المناهج والنظام التعليمي على التكيف معها وصبغها بالصبغة اليابانية.
– اعتماد التعليم في اليابان في أساليب التدريب على الجانب العملي التطبيقي.
– الأهداف اليابانية متجددة ويستمر مراجعتها باستمرار وتخضع للتغيير والتبديل وفق حاجات وتطلعات المجتمع.
– إشراك أولياء الأمور بفعالية في النظام التعليمي من خلال ملاحظاتهم وآرائهم ومشاركتهم في تطوير المنهج، ولأولياء الأمر يومين كل عام دراسي يزورون المدرسة ويحضرون الحصص المدرسية مع أبنائهم.
– تلبية المناهج التعليمية في اليابان لاحتياجات السوق الاقتصادية والتقدم التقني مما يجعل الشركات الكبرى تقدم دعماً غير محدود للمؤسسات التعليمية، بل وتجعل منشآتها مجالاً لتقديم التدريب الفني والتقني لطلاب المدارس.
– تقديم المناهج التعليمية في اليابان خيارات عديدة ومسارات متنوعة بعد مرحلة الثانوية الدنيا بما يستجيب لتفاوت قدرات وخصائص الطلاب، وبما يحقق حاجات اجتماعية واقتصادية هامة.
– الارتباط بالبيئة المحلية من خلال الرحلات والزيارات.
– إجراء عملية تكييف مستمر للمناهج التعليمية لكي تتفق مع حاجات التنمية.
– استخدام التلفزيون التعليمي منذ عام (1959م) والتوسع في ذلك، والبث مباشرة إلى المدارس…
وتدير وزارة التربية ذات الصلاحيات الكبيرة كل البناء التعليمي الياباني الذي يشمل 3.1 مليون معلم يدرسون نحو 27 مليون طالب في نحو66.000 مدرسة، والأمية لا تتجاوز نسبة (0.7%)، كما يحصل الطفل الياباني على نتائج عالية في الاختبارات الدولية التي تقيس القدرات في الرياضيات والعلوم أكثر من الطفل الأمريكي والبريطاني والفرنسي وغيرهم من الجنسيات الأخرى.
أما طالب المرحلة الثانوية البالغ من العمر 14 سنة فيكون قد استفاد من حمولة تعليمية لا يمكن لطالب أمريكي مثلا أن يبلغ سقفها إلا في سن 17 أو 18 من عمره، كما تتقدم اليابان على الصعيد العالمي في نسبة العلماء والمهندسين (60.000 لكل مليون نسمة)، وينخرط نحو (800.000) ياباني في مراكز الأبحاث والتطوير، وهذا العدد تجاوز ما لدى بريطانيا وألمانيا وفرنسا مجتمعة.
ويعتبر المعلمون في اليابان كنزاً قيّماً، فالشعور بالانتماء إليهم قوي، وفي كل عام يتقدم المزيد من طالبي وظائف التدريس الأكثر أهلية، وتحضرني في هذا الخصوص كلمة للسيد وزير التعليم في اليابان وجب أن نحبرها على رأس مخططاتنا الإصلاحية على غير استحياء، قالها عندما سئل عن سبب تقدم التعليم وسر قوته، قال: “السبب: أعطينا للمعلم راتب وزير وحصانة دبلوماسي”.
فمتى سننعم في بلدنا بنظام تعليم محترم؟
ومتى سيصل المغرب إلى مراتب متقدمة في هذا المجال؟