المراد بالسلطة: الحكومة؛ بما لها من حقوق وما عليها من واجبات وتبعات، وهي بلا شك في كل الأنظمة سواء الإسلامية وغير الإسلامية لها شروط ومواصفات، ينبغي تحقيقها والتحلي بها، والمشكلة لا تكمن في تداول السلطة؛ فقد قال خليفة المسلمين الثاني عمر رضي الله تعالى عنه: “إني إن شا الله لقائم العشيّة في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم.. ثم قال عندما قدم المدينة: من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تَغِرَّةً أنْ يقتلا» أي:مخافة أن يقتلا (البخاري:6328).
فعمر رضي الله تعالى عنه يبين أن البيعة، أي تولية السلطة، لا تكون إلا بمشورة المسلمين، ويحذر الناس ممن يبايع من غير مشورة، ويبين أن هذا غصب لأمور الناس، ثم يبين أن من فعل ذلك فلا ينبغي مبايعته هو أو الذي بايعه، وقد قال ذلك في المدينة النبوية في خطبة الجمعة أمام الصحابة كلهم بمن فيهم من الفقهاء والعلماء، فلم يعترضه أو ينكر عليه أحد، فدل ذلك على أن هذا هو المعروف لديهم.
وعندنا من الواقع العملي أن السلطة تولاها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وهو من بني تيم، ثم تولاها عمر وهو من بني عدي، ثم تولاها عثمان وهو من بني العاص، ثم تولاها علي وهو من بني هاشم رضي الله تعالى عن الجميع.
فالسلطة انتقلت وتداولها المسلمون وفق الشروط والمواصفات التي دلت عليها الأحكام الشرعية، ولم يحتكرها أحد ويقصرها على نفسه. لكن ليس من معنى تداول السلطة أن يُحدَّد وقت معين لولي الأمر يفقد بها صلاحيته لولاية الأمر حتى يجدد اختياره من جديد.
والمشكلة الجوهرية مع أنصار الدولة المدنية في هذه المسألة تكمن في الشروط والمواصفات التي ينبغي توافرها فيمن يُولَّى الأمر، وليس في تداولها؛ فهل من شروط الحاكم عندهم أن يكون مسلماً، أم يجوز أن يكون كافراً شقياً ما دام أنه يتمتع بصفة المواطنة؟
وهل يشترط عندهم أن يكون صالحاً تقياً -عدلا-، أم يجوز أن يكون فاسقاً عصياً لرب العالمين؟
وهل يشترط عندهم أن يكون رجلاً أم يجوز أن تكون امرأة؟
لكن أهمية الحديث عن تداول السلطة عند كثيرين تنبع من أن السلطة في عرفهم صارت مغنماً من المغانم وليست مغرماً، لذلك يطالبون بنصيبهم من هذا المغنم، ورضي الله تـبارك وتعالى عن عمر عندما رَفَضَ أن يعهد بالأمر من بعـده لابنه عبد الله، وقال: لا أتحملها حياً وميتاً.
والتداول لا يمثل قيمة جوهرية في الفقه السياسي الإسلامي، وإنما القيمة تكمن في قدرة ولي الأمر على القيام بمهامه على الوجه الأحسن؛ فإذا كان ولي الأمر قائماً بما يجب عليه، محققاً للمقصود من نَصْبِه من غير إخلال أو تقاعس عن القيام بمهامه وواجباته، فليس هناك معنى معقول لإخراجه عن السلطة بزعم تداولها. وفي الجهة المقابلة فإنه متى تقاعس ولي الأمر عن القيام بواجباته، ولم يكن نَصْبُه محققاً للغرض المقصود منه فإن الشريعة لا تأمر بالإبقاء عليه واستمراره في منصبه، بل يوعظ وينصح ويوجَّه؛ فإن استقام وإلا فالعزل طريقه. (انظر: الدولة المدنية صورة للصراع بين النظرية الغربية والمُحْكَمات الإسلامية؛ محمد بن شاكر الشريف).