الغزو الفرنكفوني للتعليم المغربي: ثقافة ولغة (م.ز)

يتجلى الغزو الفرنكفوني للتعليم المغربي فيما يلي:

– عدد ساعات حصص مادة “اللغة الفرنسية”

هذه الساعات التي إما أن تتجاوز في العدد ساعات حصص اللغة العربية، وإما أن تساويها، إذا استثنينا السنتين الأولى والثانية من التعليم الابتدائي حيث تدرس اللغة العربية وحدها. وأين هذا؟ في بلد، يقول دستوره أن “اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة”.

وهناك مخاوف من فرض الفرنسية في التعليم الأولي، بعدما كانت اختيارية تستثمرها المدارس الخاصة في التسويق لنموذجها التعليمي. وإن هذا القرار لمن شأنه، إذا تقرر، أن يجعل الناشئة أكثر عرضة للاختراق، كما من شأنه أن يعرض هويتها للاضطراب والارتباك أكثر من ذي قبل.

– مقررات المدارس الخاصة

ونقصد مقررات اللغة الفرنسية التي لا تُعتمَد فيها، في الغالب، المقررات المعَدّة من طرف وزارة التربية الوطنية.

بل إن المدارس الخاصة تشترط على الآباء مقررات فرنسية تستبطِن الخصوصية الفرنسية، وتربي الناشئة على ثقافة دخيلة.بل إن بعضها قد يكون مدخولا ببعض المعطيات والقناعات اللائكية الخاصة بالتاريخ الفرنسي، فتتسرب إلى عقل الأطفال من غير وعي منهم.

– مدارس البعثة الفرنسية:

وهي مدارس لم تخصّص لأبناء أفراد البعثة الفرنسية وحدها، بل هي مفتوحة في وجه من اختارها من الآباء، وخاصة منهم أولئك الذي يقيسون الاختيارات بالمصالح الخاصة لا العامة، من بورجوازيين وفئات من الطبقة الوسطى.

وإن كان هذا الاختيار مقتصرا على فئة منحسرة من المغاربة، إلا أنه مخالف لمبدأ “توحيد التعليم”، على اعتبارين: تكريس التفاوت الاجتماعي، تجديد النخبة الفرنكفونية.

وقد تسربت بعض المعطيات تفيد أن هذه المدارس، التي يدرس بها عدد كبير من أبناء المغاربة، لا تريد لها فرنسا إلا هدفا واحدا هو “خدمة فرنسا والشعب الفرنسي، اليوم وغدا”.

– تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية

وتلك هي النقطة الأكثر سوادا في “القانون الإطار”، وبالضبط في المادة 2 التي تنص على “اعتماد التناوب اللغوي مقاربة بيداغوجية وخيارا تربويا متدرجا، يستثمر في التعليم المتعدد اللغات، بهدف تنويع لغات التدريس إلى جانب اللغتين الرسميتين للدولة (العربية والأمازيغية)، وذلك بتدريس بعض المواد، وخصوصا العلمية والتقنية منها، أو أجزاء بعض المواد بلغة أو بلغات أجنبية”؛ ثم في المادة 3 التي تنص على “تطبيق مبدأ التناوب اللغوي كما تنص عليه المادة 2”.

وليس من العسير على النبيه أن يفهم الغرض من هذا القانون الإطار، والذي لن يكون هو التناوب اللغوي بين العربية وعدة لغات أجنبية بدرجة أولى، بقدر ما سيكون تناوبا بين العربية والفرنسية أساسا، وذلك هو مهاد “الفرنسة”.

إذن، فعوض استكمال التعريب وتعميمه على التعليم العالي، فقد وقع التراجع شيئا فشيئا، من خلق أقسام تجريبية إلى تعميم التجربة بمقتضى “قانون إطار”.

– التعليم العالي

وهو التعليم الذي فرضت عليه لغة فقدت مكانها في ميدان البحث العلمي، وهي نفسها أخذت تترجم عن الإنجليزية، بل تركت المجال رحبا في جامعاتها ومعاهدها لهذه اللغة.

وبما أن الضغط الفرنكفوني ما زال حاضرا في المغرب، فالمطلوب من هذا البلد أن يفعل العكس: أي ألا يطلق مشروع الترجمة الخاص به من “اللغات العلمية والتقنية” إلى اللغة العربية، وألا يتبنى الإنجليزية كلغة ثانية في الكليات العلمية والمعاهد الهندسية والتقنية.

هناك بوادر لكسر هذه الحدود الفرنكفونية، إلا أنها ما تزال ضعيفة، وغير قادرة على التحرر من الضغط الفرنكفوني نهائيا.

– دعوات التدريج والتمزيغ

وهي دعوات ليس المقصود منها هو الدفاع عن الدارجة والأمازيغية، كما يدعي أصحابها. بل المقصود منها هو إضعاف العربية وحصرها في الزاوية، حتى تجد الفرنكفونية نفسها أمام لغات ضعيفة منحسرة، وثقافات مهزومة، فتكون مهمة السيطرة الثقافية، وبالتالي السياسية والاقتصادية أسهل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *