مسؤولية الآباء تجاه البنات والأبناء ما أفسد الأبناء مثل إهمال وغفلة الآباء

تكاثرت وتنوعت المؤثرات السلبية المعاصرة التي يجابهها أبناؤنا في مختلف الميادين، سواء على الصعيد الإعلامي، أوالتربوي، أوالبيئي، ولا سيما مع تطور وانتشار وسائل الإعلام والاتصال والمواصلات، الأمر الذي يجعل الشباب في المجتمع الإسلامي هدفا استراتيجيا للقوى المعادية على اختلاف مصادرها وتعدد ثقافاتها.
وهذا مما يستوجب مضاعفة الجهود لتنشئة الأولاد على مبادئ دينهم وثوابته ولوازمه، وتحصينهم ضد تلكم التيارات الفكرية الغازية، ثم لإعدادهم من بعد ذلك ليقوموا بدورهم الرائد في تربية الجيل التالي، وفي مجابهة القوى المعادية بالمثل، بما تستوجبه رسالة المسلم نحو نفسه وولده وإخوانه المسلمين والناس أجمعين.
وليس يقوم بهذا الواجب الجليل على الوجه المتوخى غير الأبوين المسلمين الغيورين، حيث تعتبر التنشئة التربوية -عموما- ثمرة لكل سلوك فاضل محمود، كما أن التنشئة الفاسدة أسُّ لكل رذيلة خلقية، “فلا يستقيم الظل والعود أعوج”، وعليه فالتنشئة الفاسدة للأولاد من طرف الآباء والأمهات تؤثر في جذور عقيدتهم وتجتثهم من فطرتهم فينشأ بعد فينا شباب منحرف عاق فاسد، وقد كشف النبي عليه الصلاة والسلام عن هذه الحقيقة فقال: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” متفق عليه.
في تحفة الأحوذي 6/287 عند قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث :” فأبواه” قال: “والفاء إما للتعقيب وهو ظاهر وإما للتسبب أي: إذا كان كذا فمن تغير كان بسبب أبويه غالبا”.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (قال بعض أهل العلم إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، فإنه كما أن للأب على ابنه حقا فللابن على أبيه حق”، فكما قال تعالى: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً”.
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ”.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: علموهم وأدبوهم، وقال تعالى: “وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً”.
وفي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: “اعدلوا بين أولادكم” متفق عليه.
فوصية الها للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، قال الله تعالى: “وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ” فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا!
كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا! وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا!!) تحفة المودود بأحكام المولود.
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين أشكو إليك عقوق ولدي، فقال: ائتني به، فجـاء الولد إلى عمر، فقال عمر: لم تعق أباك؟ فقال الولد: يا أمير المؤمنـين ما هو حقي على والدي؟ فقال عمر: حقـك عليه أن يحسن اختيار أمـك، وأن يحسن اختيار اسمك، وأن يعلمك القـرآن. فقال الولد: والله ما فعـل أبي شيء من ذلك، فالتفت عمر إلى الوالد وقال: انطلق لقد عققت ولدك قبل أن يعقك.
فما أفسد الأبناء مثل غفلة الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب!! فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون!! فكم من والد حرَم ولده خير الدنيا والآخرة، وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها، وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح، حرمهم الانتفاع بأولادهم وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم وهو من عقوبة الآباء.
ويقول ابن القيم رحمه الله: “بهذا تبرز الأخطار الكثيرة التي يتردى فيها الولد حين يهمله والداه، فيتسببان في الإضرار به إضرارا بليغا وهم لا يشعرون، ولا سيما إهمال تعليمه أمور دينه وأخلاقه وحقوق غيره”. تحفة المودود بأحكام المولود.
فإذا قام الآباء بواجبهم اتجاه أبنائهم بتعليمهم الخير وتربيتهم على الفضائل والأخلاق الكريمة والصلاح منذ نعومة أظفارهم، فسيجنون ثمرة ذلك في الدنيا والآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *