لا شك أن نوعية العلاقة بين الرجل والمرأة تؤثر في طبيعة الأحكام الشرعية الواجب عليهما احترامها، ومن تلك الأحكام ما يتعلق بستر العورة، وقد جاء ديننا الحنيف بتفصيلها وبيانها على أحسن وجه وأتمه، إلا أن بُعد المسلمين عن دينهم، وإعراضهم عما جاء به نبيهم ، جعلهم في جهل مطبق بشريعة ربهم ، حتى إن بعض المسلمين أو كثيرا منهم يعيشون في دنياهم وكأن الله تعالى لم يرسل نبيا، ولا أنزل كتابا، لا يرعون لله حقا، ولا يحفظون له حدودا.
وقد جاء ذلك نتيجة مخططات غربية لتجهيل المسلمين بدينهم، وتجريدهم من هويتهم الإسلامية، قام بتنفيذها وتطبيقها العلمانيون باعتبارهم الوكلاءَ الشرعيين للمستعمر الغربي في بلاد الإسلام. وقد نجحوا -للأسف- في ذلك إلى حد بعيد.
ومن جملة تلك الأحكام المنسية: “حدود عورة المرأة مع محارمها”، وهي من الأحكام التي يصدق عليها قوله تعالى في أهل الكتاب: ﭽ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﭼ [المائدة: ١٣]، فلم يكن بد من التذكير بها، عسى الله تعالى أن يوفق المسلمين الصادقين للعمل بها.
ولكن قبل الحديث عن حدود عورة المرأة مع محارمها أجدني مضطرا للتعريف بمحارم المرأة، مَنْ هُمْ؟ وما هي أقسامهم وعِدَّتُهُم؟
أولا: تعريف “المحارم” :
المقصود بمحارم المرأة: الرجال الذين يحرم عليهم الزواج بها تحريما مؤبدا، بسبب نسب أو رضاع أو مصاهرة.
والمقصود بمحارم الرجل: كل امرأة تحرم عليه تحريما مؤبدا ، بسبب نسب، أو رضاع، أو مصاهرة.
ثانيا: أقسام المحارم وتعدادهم:
ينقسم المحارم إلى ثلاثة أقسام هي:
1- المحرمات بالنسب:
هن المذكورات في قوله تعالى: ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ[النساء: ٢٣].
فالمحرمات بسبب النسب سبعة، وهن بالتفصيل:
1) الأمهات: فالأم اسم لكل أنثى لها عليك ولادة؛ فيدخل في ذلك: الأم المباشرة، وأمهات الأصول وإن علون (أي: أم الأم وجداتها، وأم الأب وجداته وَإِنْ عَلَوْنَ).
2) البنات: اسم لكل أنثى لك عليها ولادة؛ فيدخل في ذلك: البنت المباشرة، وبنات الفروع وإن نزلن (أي: بنات البنات، وبنات الأبناء وإن نزلن).
3) الأخوات: اسم لكل أنثى جاورتك في أصليك أو في أحدهما؛ فتدخل: الأخت الشقيقة، والأخت للأب، والأخت للأم.
4) العمات: اسم لكل أنثى شاركت أباك أو جدك في أصليه أو في أحدهما؛ فتدخل: العمة المباشرة، وعمات الأصول ( أي: عمة الأب والجد، وعمة الأم والجدة وإن علون).
5) الخالات: اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصليها أو في أحدهما؛ فتدخل: الخالة المباشرة، وخالات الأصول (أي: خالة الأب والجد، وخالة الأم والجدة وإن علون).
6) بنات الأخ: وبنت الأخ اسم لكل أنثى لأخيك عليها ولادة مباشرة أو بواسطة، فتدخل: بنت الأخ المباشرة، وبنات فروعه وإن نزلن (أي: بنات أبناء الأخ، وبنات بناته وإن نزلن).
7) بنات الأخت: اسم لكل أنثى لأختك عليها ولادة مباشرة أو بواسطة؛ فتدخل: بنت الأخت المباشرة، وبنات فروعها وإن نزلن (أي: بنات أبناء الأخ، وبنات بناتها وإن نزلن).
2- المحرمات بالمصاهرة:
– قال القرطبي: والصهر أربع: أم المرأة وابنتها، وزوجة الأب وزوجة الابن. ( تفسير الآية 23 من سورة النساء).
فالمحرمات بسبب النكاح، أربع نسوة:
1) أم الزوجة: التي عقد عليها سواء كانت أمًّا مباشرة، أو أمًّا لأصولها؛ لقوله تعالى في سياق ذكره للمحرمات من النساء: ﭽﮔ ﮕ ﭼ.
2) بنت الزوجة: التي دخل بها، سواء كانت بنتا مباشرة، أو بنتا لفروعها؛ لقوله تعالى في سياق ذكره للمحرمات: ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ .
3) زوجة الأب: ومثلها زوجة الجد وإن علا؛ لقوله تعالى:ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﭼ .
4) زوجة الابن: ومثلها: زوجة ابن الابن، وزوجة ابن البنت وإن نزلوا؛ لقوله تعالى:ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ .
3- المحرمات بالرضاع:
المحرمات بسبب الرضاع سبعة أيضا لقوله : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (متفق عليه).
وهن بالتفصيل:
1) الأم من الرضاع.
2) البنت من الرضاع.
3) الأخت من الرضاع.
4) العمة من الرضاع.
5) الخالة من الرضاع.
6) بنت الأخ من الرضاع.
7) بنت الأخت من الرضاع.
– قال القرطبي: “…فإذا أرضعت المرأة طفلا حرمت عليه لأنها أمه، وبنتها لأنها أخته، وأختها لأنها خالته، وأمها لأنها جدته، وبنت زوجها صاحب اللبن لأنها أخته، وأخته لأنها عمته، وأمه لأنها جدته، وبنات بنيها وبناتها لأنهن بنات إخوته وأخواته”. ( تفسير لآية 23 من سورة النساء).
وعند جمهور العلماء يحرم من الرضاع أيضا ما يحرم بالمصاهرة، فتحرم على هذا.
1. أم الزوجة من الرضاع: فالمرأة التي أرضعت زوجة الرجل تحرم عليه لأنها أم زوجته (من الرضاع).
2. بنت الزوجة من الرضاع: فالبنت التي أرضعتها زوجة الرجل بِلَبَنِ زوج آخر لا تحل له؛ لأنها بنت زوجته (من الرضاع). وأما التي أرضعتها بلَبَنِهِ فهي بنته من الرضاع ولا تحل له أيضا كما تقدم.
3. زوجة الأب من الرضاع: فالمرأة التي تزوجها الأب من الرضاع لا تحل لابنه من الرضاع؛ لأنها زوجة أبيه (من الرضاع).
4. زوجة الابن من الرضاع: فالمرأة التي تزوجها الابن من الرضاع لا تحل لأبيه من الرضاع؛ لأنها زوجة ابنه (من الرضاع).
ثالثا: فوائد معرفة المحارم:
لمعرفة المحارم فوائد منها:
1) أن لا يعقد الرجل على امرأة لا تحل له.
2) أن تعرف المرأة محارمها الذين لا تحتجب منهم، ويجوز لها أن تصافحهم، وتخلو بهم، ويحل لها أن تسافر معهم.
3) أن تعرف المرأة غير المحارم من الرجال (الأجانب) فتحتجب منهم، وتجتنب مصافحتهم والخلوة بهم.
4) أن يميز الرجل محارمه من النساء من غير محارمه (الأجنبيات)، ليجتنب النظر إلى ما لا يحل له من غير محارمه، ويجتنب مصافحتهن، والخلوة بهن.
رابعا: ما تبديه المرأة لمحارمها:
– قال الشيخ خليل مبينا عورة المرأة مع محرمها: “ومع محرم غير الوجه والأطراف” (مختصر خليل ص30).
– قال الخرشي شارحا كلام الشيخ خليل: “يعني أن عورة الحرة مع الرجل المحرم من نسب أو رضاع أو صهر: جميع بدنها إلا الوجه والأطراف، وهي ما فوق المنحر، وهو شامل لشعر الرأس، والقدمان، والذراعان، فليس له أن يرى ثديها، وصدرها، وساقها ” (شرح مختصر خليل للخرشي: كتاب الصلاة/فصل في حكم ستر العورة).