الاهتمام الغربي بالمرأة، إكرام وإنصاف أم تطرف وإجحاف؟!

من المقرر في القرآن الكريم أن النصارى حرفوا الدين الذي بعث الله به عيسى عليه السلام، وأدخلوا فيه ما ليس منه، كما أنهم كتموا أشياء كثيرة أنزلت في الإنجيل، وقد انطلق تحريفهم من التوحيد والعقيدة في الله سبحانه، وامتد ليشمل أمورا أخرى كالقضايا الاجتماعية ومنها منزلة المرأة ومكانتها.
حيث كانوا يعتقدون أن المرأة مخلوق ساقط حقير، وأنه مصدر الشر، وكانت الكنيسة تتبنى هذه العقيدة وترسخها في المجتمع، الشيء الذي أثر في معاملة الرجال للنساء وجعلهم يحتقرونهن ويهينونهن، وإذا أكرموهن فذلك لقضاء الشهوات والتمتع بأجسادهن، حتى إذا قضوا منهن وطرا، ألقوا بهن في زاوية الإهمال بل طرحوهن في سلة الإهانة والاحتقار.
وقد كان لهذا الفكر المشين المعادي للمرأة دور كبير في تغذية جهود دعاة تحرير المرأة في أوروبا لفصل المرأة عن الدين وكل ما يمت له بصلة واعتباره عدو المرأة كما هو أفيون الشعوب.
وهكذا انطلقوا ينظرون ويخططون ويقومون بأنشطة مختلفة من أجل النهوض بالمرأة ورد الاعتبار لها وتمتيعها بحقوقها، واجتهدوا في إقناعها بأن الدين عموما والحفاظ على مكارم الأخلاق وعلى رأسها الحياء والعفة والحشمة مظاهر تقليدية سوف تعوقها عن الانطلاق نحو حياة جديدة شعارها الحرية والإخاء والمساواة.

وشُرع منذ سنة 1946م يُنحى منحى عولمة هذا الفكر، فأنشأت هيئة الأمم المتحدة في السنة المذكورة “لجنة مركز المرأة” وهي هيئة رسمية دولية تتألف من 45 دولة تجتمع سنويا بهدف عمل مسودات وتوصيات وتقارير خاصة بمكانة المرأة وتقويم تلك الأعمال.
وفي سنة 1948م صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والناظر فيه يقف على الحقيقة التالية: وهي أن المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة هي العمود الفقري لقضية إصلاح حال المرأة، فلا يمكن أن تصلح هذه الوضعية -من وجهة نظرهم- وتمتع المرأة بحقوقها ويرفع عنها الظلم إلا إذا طبق مبدأ المساواة التماثلية بين الرجال والنساء في كل التشريعات والقوانين، وهكذا جاءت مؤتمرات الأمم المتحدة لتكريس هذه القناعة وعولمتها، وقد اتسم هذا الاهتمام الغربي بالمرأة بتهميشه للإسلام بل والطعن في كثير مما جاء به فيما يتعلق بالمرأة، ورمي علماء الإسلام والدعاة إليه بالرجعية والتزمت والتطرف، وأنهم أعداء المرأة لا يرون فيها إلا الغواية والضلال وصفات أخرى تستوجب الإذلال والإهانة، وأنهم يريدون المرأة الذليلة التي تسجد تحت أقدام زوجها مرتعشة منكسرة…! في سلسلة من الاتهامات التي يقصد منها بالدرجة الأولى حشر الإسلام في زمرة الديانات المحرفة والمذاهب البشرية التي حملت فكرا معاديا للمرأة!
كما اتسم هذا الاهتمام بالدعوة الصريحة إلى الإلحاد والإباحية بكل أشكالها وأنواعها وهذا يشكل خطرا عظيما على البشرية.

وهكذا فإن من السلبيات التي جاءت في توصيات المؤتمرات الدولية المتعلقة بالمرأة:
– التهجم على الشريعة الإسلامية، والدعوة إلى إلغاء قيود أحكامها!!!
– الدعوة إلى المساواة المطلقة التماثلية بين الجنسين!
– نشر الفاحشة بالدعوة إلى حرية العلاقة الجنسية المحرمة، واعتبار ذلك من حقوق المرأة الأساسية والاعتراف بحقوق الزناة والزواني، بل الاعتراف بالشذوذ الجنسي! مع التنفير من الزواج المبكر، وسن قوانين تمنع حدوث ذلك، ودعوا إلى تيسير انتشار وتوزيع الواقيات الذكرية (capotes) بين الذكور على نطاق واسع وبأسعار زهيدة.
وشجعوا التعليم المختلط، وشددوا على ضرورة بقائه قائما في كل المستويات الدراسية!!
ومن منكراتها أيضا: الدعوة إلى أن يكون الإجهاض غير مخالف للقانون، وأن يكون مأموناً طبياً والدعوة إلى إلغاء القوانين التي تنص على اتخاذ إجراءات عقابية ضد المرأة التي تجري إجهاضاً غير قانوني، وأيضا الدعوة إلى أن يكون الإجهاض حقاً من حقوق المرأة، وتيسير حصولها على هذا الحق، عندما تريد إنهاء حملها، ولذلك يدعون إلى إنشاء مستشفيات خاصة للإجهاض.
ويقرون قتل الأجنة داخل الأرحام، بحجة أن هذا الحمل غير مرغوب فيه!!
وأكدوا على تهميش عمل المرأة داخل المنزل، واعتبار ذلك عملاً ليس له مقابل، وبالتالي فهو من أسباب فقر المرأة، ودعوا إلى خروج المرأة للعمل المختلط، ومساواتها بالرجل في العمل خارج البيت… في سلسلة من المفاسد والشرور، التي يوهمون أن تطبيقها شرط في إنصاف المرأة وتحريرها!
وقد أضحى بيِّنا لكل متتبع أن ما يدعو إليه الإسلام-الدين الذي ارتضاه الخالق للناس- في هذا الباب في شق، وما يدعو إليه الغربيون في شق آخر.
فالإسلام يدعو المرأة إلى توحيد الله والانقياد لشرعه؛ وأولئك يدعونها إلى الإلحاد والتمرد على الله ورفض شرعه.
والإسلام يدعو إلى المساواة التكاملية بين الرجل والمرأة؛ وهم يدعون إلى المساواة التماثلية بينهما.
والإسلام يدعو المرأة إلى الحشمة والستر والفضيلة؛ وهم يدعونها إلى التبرج والعري والرذيلة.
والإسلام يدعو إلى بناء الأسرة على المودة والتراحم والتكامل؛ والقوم يدعون إلى بنائها على التربص والكيد والتنافس…
ولا أجد تعبيرا جامعا لهذا المعنى أبلغ من قول الله تعالى في سورة النساء: “والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما” الآية 27.

على أنه لم يخل الاهتمام الغربي من مزايا ومحاسن منها ما دعت إليه المؤتمرات الدولية من تعليم المرأة ومحاربة الأمية في صفوف النساء، ومكافحة الأمراض السارية بينهن، ومحاربة الاتجار بالمرأة والطفل ومحاصرة العصابات الدولية التي تقوم بهذه الجريمة، والدعوة إلى الرضاعة الطبيعية، وهذه الأمور مرغب فيها في ديننا، لكن جانب الشر عند القوم كان طاغيا على جانب الخير، وقد تجلى بوضوح في غلو مشين تولد عن عدوان مهين، والضحية في ذلك كله المرأة المسكينة..
فإنها في فكرهم وممارساتهم في وضعية لا تحسد عليها؛ حيث نزلوا بها إلى أدنى دركات الانحلال والتفسخ الأخلاقي وخدعوها بشعارات الحرية والمساواة، فهتكوا عرضها وقتلوا عفتها، حتى صار عرض كثير من النساء اليوم رخيصا مبذولا… وهكذا يظهرون أنهم آسفون على ما كانت تعاني منه المرأة في الجاهلية القديمة، وقالوا سننتصر لها لكنهم غلوا وأفرطوا فتطرفوا تطرفا يقابل تطرف السابقين، وهو تطرف متعمد من كثيرين إذ يمكنهم من استغلال المرأة لتحقيق مصالحهم المادية والسياسية وتغذية شهواتهم البهيمية ؛ فقد أضحت المرأة الوسيلة الأساسية لترويج السلع والمنتوجات وعرض الخدمات والدعاية لهذه الأمور، وكانت من أهم الوسائل المستعملة لاحتلال بعض الدول واغتصاب حقوق أهلها، واستغلت المرأة لضمان الانتشار الواسع للمذهب الإباحي، وصار الرجل يجد حاجته وما يروي به غليله الجنسي في الشارع والمقهى والمدرسة والإدارة وفي كل مكان.
فالمرأة هي الضحية الأولى للفكر الغربي الإباحي؛ انظر إليها أخي القارئ كيف اضمحلت أنوثتها نتيجة اختلاطها الدائم بالرجال، وانظر كيف كلفت من الأعمال ما لا تطيق حيث أضيفت إلى أعبائها الطبيعية (من الاعتناء بالبيت والأطفال) عبء العمل خارج البيت، وانظر إلى عرضها كيف أضحى رخيصا يتاجر فيه بثمن بخس..
ولذلك كثرت في وسط النساء المتأزمات نفسيا والمنتحرات والمطلقات بغير حق والعوانس المحرومات من دفء الحياة الزوجية والأسرية، والمصابات بالأمراض الجنسية الفتاكة، وكثرت حالات الإجهاض، واتجهت كثير من النساء إلى الخمور والمخدرات.. في سلسلة من الطامات التي يجتهد حماة الفكر الإباحي في تغطيتها والتهوين من شأنها استكبارا في الأرض ومكر السيِّء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
ومما يتأكد بيانه أن عقلاء ومنصفي القوم أنكروا بشدة هذا التوجه ( أي الاهتمام) المدمر للبشرية، ودعوا إلى رفضه، وبينوا مخاطره، وأن المرأة هي أول متضرر به.
لكن لم تجد صيحاتهم استجابة رسمية، وذلك لغلبة الهوى على النفوس، وتغلغل حب الفاحشة في شغاف القلوب.
وصدق ربنا الكريم حيث قال : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} الجاثية 23

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- خلافا لما يزعمه البعض من كون ما جاء في هده المؤتمرات تراث انساني مشترك بين المسلمين وغيرهم.
2- يعتقد كثير من الناس أن المساواة رديفة للعدل وهذا خطأ؛ فقد تكون المساواة ظلما.
3- قال أحدهم :إننا نتخذ العاهرات للذة,ونتخذ الخليلات للعناية بصحة أجسامنا اليومية ونتخذ الزوجات ليلدن لنا الأبناء الشرعيين” (عمل المرأة ص.37)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *