تنشغل وسائل الإعلام الغربية بالتكهن في المستقبل القادم لطبيعة العلاقة بين العالم الإسلامي والعربي بشكل خاص؛ والكيان الصهيوني والولايات المتحدة والكتلة الغربية بشكل عام.
وما يثير القلق لديهم هو صعود قوة إسلامية تدعو إلى وحدة الأمة والاستفادة من خيراتها والتركيز على نهضتها، بدلا من الحكومات التي زالت وكانت تسخر طاقات الأمة لخدمة وحماية الكيان الصهيوني والغرب، لذلك هم يبحثون في هذه المرحلة عن بديل لطبقة من الطغاة الذين أزالتهم الثورات العربية وعودوها على السمع والطاعة دائما.
ولذلك الدكتور أرون فريدمان، خريج جامعة السوريون في باريس، وهو يدرس اللغة العربية ومحاضر عن الإسلام في الجامعات الإسرائيلية وله كتاب بعنوان: “العلويون، التاريخ والدين والهوية” قام بالكتابة حول “طبيعة العلاقة بين الإسلاميين وإسرائيل والغرب”، تحدث فيه بإسهاب عن البديل لطبقة الطغاة الراحلين، وقال:
“إن الساحة الجيوسياسية الواقعة فيها “دولة إسرائيل” آخذة بالتغير في الأشهر الأخيرة بشكل كبير. فالربيع العربي الذي بدأ في أوائل العام 2011 يثير في العالم الغربي أملاً للانفتاح والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، حتى أنه يثير حركات احتجاج اجتماعية في العالم كله، إلا أن الثورات العربية أدت إلى ثورة داخل ثورة”.
وتابع في كتابته التي ترجمها موقع عكا للدراسات الإسرائيلية، إن الثورة الجانبية التي قامت داخل الثورة العربية ما هي إلا موجة إسلامية تذكرنا بالموجة العظيمة للأصولية الإسلامية التي بدأت في سنوات الثمانينات في أعقاب الثورة الإيرانية في العام 1979، إلا أن تلك الموجة التي وقعت كانت بشكل رئيسي في العالم الشيعي (الثورة الإسلامية في إيران، وإنشاء حزب الله في لبنان) أما الثورة الحالية فيه خاصة بالعالم السني.
ولقد بدأت براعم الصحوة الإسلامية في السنوات الأخيرة في الدول ذات الغالبية السنية: ففي العام 2002 صعد إلى الحكم في تركيا “حزب العدالة والتنمية” بقيادة “رجب طيب أردوغان”.
وفي العام 2006 تم انتخاب حركة حماس في أراضي السلطة الفلسطينية، والتي سيطرت على قطاع غزة بعد ذلك بعام.
وبعد الربيع العربي فإن قوة “جبهة العمل الإسلامي في الأردن تزداد، وتهدد الملك عبد الله، وفي سوريا يكتسب أعضاء الإخوان المسلمون قوة كبيرة في صفوف معارضة المنفى.
وفي نونبر من هذا العام فاز في الانتخابات المغربية “حزب العدالة والتنمية” المغربي، كما فاز “حزب النهضة” بأغلبية مقاعد البرلمان التونسي، وفي دجنبر حظي “حزب الحرية والعدالة” المصري بـ 40% من مقاعد البرلمان كما أن حزب النور السلفي حصل على 20% من المقاعد.
والملاحظ أن كل هذه الحركات ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة مع حركة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928…
الشيعة ضد السنة و “إسرائيل”:
إن الصحوة السنية ونجاح الأحزاب الإسلامية سيؤدي إلى معضلتين صعبتين جداً ستواجهان أعضاء الحركة الإسلامية السنية التي لنجاحها تداعيات أيضاً على دولة “إسرائيل”.
أولى هذه المعضلات هي المعضلة الإقتصادية: هل يجب تأجيل ما يسميه الإسلاميون بـ “تحرير فلسطين والمسجد الأقصى؟ فالثمن الذي ستدفعه الأحزاب الإسلامية إذا قررت إعلان الحرب ضد إسرائيل أو إلغاء اتفاقيات السلام القائمة لا يطاق من الناحية الاقتصادية. لأن الدول العربية التي يعيش فيها الملايين من المواطنين لا تستطيع البقاء على قيد الحياة بدون مساعدة مالية من الغرب.
أما المعضلة الثانية فهي: المعضلة النووية، حيث أن العالم الشيعي من شأنه أن يتزود قريباً بسلاح الدمار الشامل، والصراع بين السنة والشيعة هو صراع طويل ودموي أكثر من الصراع الإسرائيلي العربي، حيث أن النزاع بينهم بدأ على ورثة “النبي محمد صلى الله عليه وسلم” وعن طبيعة الإسلام وذلك قبل أكثر من ألف عام.
وهذا الصراع لا يعرفه غالبية الإسرائيليين ولا يدرس في المدارس على الرغم من تأثيره على الأحداث في منطقتنا.
وفي الذاكرة التاريخية لأهل السنة حُفرت كوارث كان مصدرها الإسلامي الشيعي، فالأعمال الإرهابية التي لم تتوقف للقوات الشيعية ضد الحكم السني في القرون الوسطى، كذلك محاربة الشيعة الفاطميين في مصر ضد أهل السنة في القرن الحادي عشر سهل الاستيلاء على القدس بأيدي الصليبيين، إضافة إلى مساعدة الشيعة للغزو الماغولي في القرن الثاني عشر والذي انتهى بالكارثة الإسلامية التي حرقت فيها بغداد وتم القضاء عل الخلافة العربية لمدة 600 عام.
وفي القرن السادس عشر تحول الصراع إلى حرب بين القوتين العظيمتين -إيران الشيعية والدولة العثمانية السنية- وتجدد الصراع في القرن العشرين وذلك في حرب إيران مع العراق عام 1980-1988 والذي قتل فيه نحو مليون شخص.
الإخوان المسلمون في سوريا متأثرون سلباً بالموقف الإيراني الذي دعم حافظ الأسد عندما قام بمذبحة فظيعة بحق أعضاء الحركة في “حماة” في العام 1982 واستمر في دعم ابنه بشار الأسد حتى اليوم الذي لا زال يمارس اضطهاد أهل السنة.
كما أن وثائق ويكليكس التي نشرت قبل نحو سنة كشفت بأن الدول السنية وخصوصاً السعودية والإمارات تدعم الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. وهذه الدول تشكل دعماً وركيزة اقتصادية هامة لحركة “الإخوان المسلمين”.
لذا فإن سعي إيران لتصبح قوة نووية تضع الأحزاب الإسلامية أمام السؤال الأكثر إلحاحاً: هل عدم القدرة عن الدفاع عن نفسها ضد إيران سيضطرها للتحالف ولو مؤقتاً مع “إسرائيل”؟ )مجلة البيان(.