أصبح النقاش اللغوي في المغرب يحتل مكانة متقدمة بين المواضيع السجالية، سواء الهواتية أو الثقافية، أو الاجتماعية، أو السياسية.
فمكانة اللغة العربية في النسيج الثقافي التعليمي يثير الكثير من الجدل، الذي ظاهره نقاش لغوي محض، وباطنه صراع هواتي وجودي بين أحفاد الوطنيين الذي خلصوا البلاد والعباد من الاحتلال الفرنسي وبين الطغمة المستلبة، التي تعمل جاهدة على الحفاظ على الإرث الاستعماري الإمبريالي، مدعية أن الفرنسية هي لغة العلم والتعلم، وأكثر مرونة وملاءمة لتدريس العلوم والانفتاح على الحضارة.
وتبقى هذه الدعوى مجرد هذيان حالم لم يستيقظ بعد من كابوس الاستعمار الفرنسي الغاشم، فإذا قدرنا أن سكان العالم هو سبعة مليارات نسمة، 125 مليونا فقط من يتكلم الفرنسية، وهذا يعني أن 98 في المائة من سكان العالم لا يتكلّمون الفرنسية، فلماذا يتم فرض لغة يتكلمها 2 في المائة فقط على المغاربة وما الفائدة من ذلك؟
أضف إلى هذا ما كشف عنه تقرير لمنظمة اليونسكو العالمية بخصوص عدد الكتب المطبوعة حيث أشار إلى أن فرنسا بلغتها العجوز احتلّتْ المرتبة 12 عالميا مقارنة مع بريطانيا وأمريكا، حيث أن كل كتاب فرنسي واحد يُقابلهُ 3 كتب في بريطانيا و8 كتب في أمريكا، فهل سيصلح عطارو الحداثة ما أفسده الدهر وبدى جليا لكل ناظر ودارس على ملامح الشمطاء الفرنسية؟ لكنها إيديولوجيا إحياء وإنعاش لغة المستعمر.
فهذا النقاش القديم الحديث لا تنطفئ جذوته مادام هناك من يجر البلاد إلى الانسلاخ عن هويتها والتي من أهم مكوناتها المكون اللغوي، لا لشيء إلا للحفاظ على مصالحه السياسية والاقتصادية، لأن دعاة الفرنكفونية من أهم مكوناتهم النخبة البورجوازية التي تسيطر على عالم المال والاقتصاد وحتى السياسة في المغرب، وبما أنهم يتواجدون في دوائر صنع القرار الاقتصادي والسياسي، فقد نجحوا إلى حد كبير في فرض هذا النقاش من فوق، مدعومين في ذلك بالمرتزقة من أصحاب الفكر الليبرالي والعلماني، ومنابر إعلامية لا يهمها إلا الدرهم والدينار.
وبينما تنافح الفئة المدافعة عن الهوية واللغة العربية بكل الوسائل المتاحة، مستعينة في ذلك بالخلفية الاجتماعية والقدرة على عرض مطالبهم في الشارع، بخوض عدة مظهرات للضغط على اللوبيات الفرنكفونية المتحكمة والمتغولة في دواليب اتخاذ القرار.
كما أن هذه الفئة تستعين كذلك لتقوية طرحها بالواقع والتجربة، بعرضها لنماذج انبعثت من رماد النسيان والإقصاء الاستعماري، لتتبوأ مكانة سامقة في مصاف الدول المتقدمة، بعد تدريس المواد العلمية بلغتها الأم، لأن هذا التدريس باللغة الأم يجعلها أكثر قابلية للتأقلم والفهم والتنمية وتطوير معجمها ومصطلحاتها، مع منحها روح الوطن، فكيف يمكن للغة الأم أن تتطور وتتقدم وهؤلاء المستلبين يريدون حشرها في زاوية النسيان والتهميش.
وبهذه الهجمات الفرنكفونية المتتالية والمدروسة من حيث وقتها ومواضيعها، يفقد الجميع تركيزه الذي يجب أن يوجه للمناهج والبرامج والمعارف والكفايات والأهداف والبيداغوجيات والمقررات، وبذلك يكون التلميذ هو الضحية الأول والأخير، ولأن الفئة المستلبة لا تدرس أبناءها مع المغاربة فهي غير معنية بهذا لا من قريب ولا من بعيد، وإنما هدفها إفشال التقدم والتنمية والتي تعتبر اللغة عمودها الفقري مع الهوية والثقافة المغربية، لا ما جاءت به فرنسا على ظهور دباباتها وطائراتها.