لا يستغرب أن تدعو بعض التوجهات الطارئة على المشهد المغربي من بقايا الاحتلال إلى سمو الاتفاقيات الدولية على نصوص ديننا وشريعة ربنا، لكن المستغرب حقا هو أن تمر هذه الدعوة دون إنكار، وأن تجد تلك الدعوات منابر لها في بلد مسلم مالكي المذهب، فتنتعش شريعة الغرب وتندثر شريعة الرب.
إن ما نعيشه من ضياع وتخلف وضنك في العيش، هو قطعا بسبب تخلينا عن شرع ربنا، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}، تخلينا عنه فحرمنا من العبودية لله وحده، وعوضناها بعبوديات متعددة، وحرمنا من عدل الشريعة ورحمتها فعشنا في ضياع وتيه.
إن للتمسك بالكتاب والسنة في الحكم والتشريع، والعقائد والمعاملات، والفضائل والأخلاق، والشعائر والعبادات، آثارا في دنيا الناس قبل آخرتهم، ومن ذلك:
أن المجتمع يزود باستمرار بأفراد ذوي أخلاق راقية من صدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والانتهاء عن الفواحش وقول الزور وأكل أموال الناس بالباطل، فهي نتائج يجني ثمارها المجتمع.
فلو تمسك الأفراد بنصوص الوحيين واعتصموا بهما لانعكس ذلك إيجابا على مجتمعاتنا، حتى وإن لم تقم فيها دول تحكم بالشرع وتتحاكم إلى الكتاب والسنة، أما لو قيض الله لهذه الأمة من يحكمها بكتاب ربها ويعتصم بنصوص الوحي في سياسته واقتصاده وتعليمه وإعلامه، وجعل الشريعة حاكمة مهيمنة على كل ذلك، فإنها الراحة والرحمة والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، لأن من تمسك بشرع الله مكن له الله تعالى في الأرض، ويسر له أسباب الاستقرار وعدم الاضطراب . قال تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا” النور:55
وتتجلى صور هذا الأمن في:
– تحريم القتل والتقاتل، ووضع عقوبات زاجرة رادعة وتشديد العقوبة على من يفعل ذلك، ومن ثم كان القصاص خير رادع لصد الناس عن العدوان، فتعيش الجماعة آمنة مطمئنة وتنصرف الجهود إلى البناء والرخاء.
– تحريم السرقة والاعتداء على الأنفس والأموال والأعراض، وقد وضع الشرع ترسانة من العقوبات الزاجرة والرادعة التي تحمي الأفراد والمجتمع، أثبتت نجاعتها طوال الفترة التي حكم فيها الإسلام وسادت شريعته.
– تحريم المخدرات والمسكرات صناعةً ومتاجرة وتعاطيا والتشديد على مقترفها بالعقوبة، مع الإنذار بعقاب الله في الآخرة، ومن ثم قطع الطريق على الانحراف والتسيب.
– تحريم الرشوة والتشديد في الوعيد على الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما.
فهذه أمثلة عن صور يتحقق بها الأمن المجتمعي، فيعيش الناس في هذه الدولة المعتصمة بالكتاب والسنة آمنين مطمئنين، دولة تحقق الرخاء والازدهار والأمن والأمان، وللإسلام آليات في تحقيق ذلك تدور بين الوقاية والزجر والتخويف (الدنيوي والأخروي) وعدم التساهل في إنزال العقاب.