أثر الســحــر في المجتمع بقلم: إبراهيم بيدون

إن أي واقع اجتماعي يعيش دون حدود وضوابط شرعية إلهية, لابد وأن تظهر وتكثر فيه المخالفات والظواهر غير المرغوب فيها بل والتي تكون عبئا ثقيلا في طريق من أراد إصلاح الفرد أو المجتمع, ومن أخطر هذه الظواهر والمخالفات انتشار السحر والكهانة في المجتمعات الإسلامية, خصوصا في أوساط الجهال, ومن ليس لهم علم بأحكام الدين, ومن قل تعلقهم بالله عز وجل…
إن عالم السحر والعين والمس.. عالم خفي مليء بالإثارة.. فمنذ فجر التاريخ والإنسان يحاول اختراق هذا العالم بحثاً عن أسراره وخفاياه, وهو جزء هام ورئيسي من أجزاء التاريخ الفاسد الموغل في القدم للدجالين والمشعوذين والأدعياء الذين يتاجرون بأوجاع الناس وأحلامهم مستغلين بذلك لحظات ضعفهم ونقص الوازع الديني لدى بعضهم ممن يتعلقون بالوهم على حساب القيم الدينية والأخلاقية..
وتحتوي ممارسة السحر على استخدام بعض الكلمات وممارسة بعض الأفعال وأشياء خاصة أخرى, كما أن معظم السحر يمارسه شخص يسمى الساحر يدعي أنه له قدرات خارقة, ولأداء مختلف ألوان السحر ينطق الساحر ويترنم ويتحدث بعبارات خاصة بترتيب أو نظام معين، وهذه العبارات أو الكلمات يطلق عليها كلمات سحرية أو تعاويذ.
ويعتقد الناس في العديد من المجتمعات أن السحر لا يؤدي مفعوله إلا إذا قام الساحر بترديد التعاويذ بصورة متكاملة وجيدة وبعض عبارات السحر الأخرى لا معنى لها رغم أن من المتوقع أن تحمل قوة عندما تنطق بواسطة الساحر.
وترافق هذه العبارات التي ينطق بها الساحر عند أداء السحر حركات كثيرة تؤدي لإبراز التأثير المطلوب للسحر ويقوم الساحر بتوحيد العبارات والحركات حيث يشكل ذلك التوحيد والجمع طقوس العملية السحرية.
لقد أصبح انتشار السحر والسحرة ملفتا للنظر، حيث ارتفع عدد السحرة والمشعوذين إلى درجة تمكننا من القول إنه أصبح لكل بضعة آلاف من أفراد المجتمع ساحر قابع في وكره ينتظر السذج من الناس ليأكل أموالهم بالباطل, بعد أن يشنف أسماعهم بالدجل والكذب، في حين أن الآلاف من المواطنين يرتادون المستوصفات ليشخص حالتهم المرضية طبيب واحد, ولنا هنا أن نتساءل هل فقد الطب كفاءته حتى صار الناس يفضلون الذهاب إلى الساحر بدل الطبيب؟
أم أن قلة الخدمات الصحية سبب كبير في انتشار هذه الظاهرة؟
أم أن الوازع الديني لدى شرائح كثيرة من المجتمع أصبح ضعيفا مما دفعهم إلى أن يتعلقوا بهذه الخرافات؟
ومن العجيب الغريب أن الطب بين وأظهر خطر تلك المواد المقدمة من طرف الدجال على صحة المصاب, وأن تلك الطقوس المقامة تضر بنفسيته, ومع ذلك يبقى التعلق بهذه الممارسات وطيدا لدى الناس.
إن الناس الذين يأتون السحرة والكهنة هم أصناف شتى فمنهم من يعاني من المس الشيطاني, ومنهم من يعاني من مرض نفسي، ومنهم من اعتراه مرض الأعصاب، ومنهم الحمقى, ومنهم من يطلب الولد والعمل والحظ في حياته ومستقبله, ومنهم من يريد أو تريد الزواج.. ومعلوم بالضرورة في ديننا أن الذي يعافي ويسأل في هذه الأمور هو الله جل وعلا أولا وأخيرا، مع الأخذ بالأسباب التي رتب الله عليها حصول الشفاء من طب ورقية شرعية.
ومما يبين تعلق الناس بهذا الإستشفاء (إتيان الدجالين) هو ما أن يسمع الناس بظهور رجل (عاقلا كان, أو “بوهالي”) يعافي من مثل تلك الأمراض وأنه عنده البركة, حتى يشد الناس الرحال إلى مقامه يستشفونه ويتبركون به, ولا ننسى أن نذكرهم أن هذا الصالح (الدجال) لا يشترط مالا بل يأخذ ما يدفع له دون أن يراه..
إن أهم سبب يكمن وراء إلباس ثوب المشروعية لهذه الممارسات هو الجهل العميق لدى الكثير من الناس بالدين الإسلامي وخصوصا جهلهم بالعقيدة الصحيحة الصافية, التي تربي الفرد والمجتمع على الإعتقاد بأن النافع الضار هو الله جل جلاله, والتي تسد الطريق عن كل معاملة قد تجر العبد إلى خلاف ذلك.
إن النص على معاقبة الذين يقومون بتلك الممارسات أمر هام لابد منه, ولكن الأهم هو تفعيل تلك العقوبات في واقع الناس, حيث يؤخذ على يد كل دجال كذاب يأكل أموال الناس بالباطل, وأكثر من ذلك يضرهم أكثر مما ينفعهم, ويردع وتنزل عليه أشد العقوبات.
وهنا أذكر قصة عشتها في حيي وهي كالتالي: في أحد الأيام سمعنا أن إحدى النسوة ممن يحترف الدجل والشعوذة ألقي عليها القبض لأنها نبشت قبرا وأخذت منه أحد أعضاء الميت, ففرحنا بهذا الخبر, لكن سرعان ما فوجئ الناس وخاب ظنهم حيث أفرج عنها، لا لأنها بريئة ولكن ربما لأنها دفعت مالا (رشوة) كانت قد نبشته من جيب أحد المغفلين الذين يقصدونها للاستشفاء؟؟
والسؤال الذي يطرح نفسه, متى يتم تفعيل محاربة السحرة والدجالين حتى يسلم مال الناس ضعاف القلوب والعقول من سطوة تلك الأيدي الآثمة؟ بل ويسلم الميت قبل الحي من أن تنهب أطرافه؟
وفي الأخير لابد على العلماء وطلبة العلم والقائمين على الشأن الديني من تعليم الناس عقيدتهم الصحيصة المحصنة من كل تلك الأفعال, وتنبيههم وتحذيرهم من إتيان كل الأماكن التي تزاول فيها خصوصا الأضرحة التي تعد منابر الشرك في البلدان الإسلامية, وكذا مواسم الشرك التي ينظمها أولئك الدجالين الكذبة من أجل إضلال الناس وأكل أموالهم بالباطل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *