بعد إعلان الحرب بين المغرب وإسبانيا بعث السلطان أخاه العباس -الذي لم يكن رجل حرب- في كتيبة من الخيل نحو الخمسمائة فارس، وكان حري به أن يجعل القيادة بيد أخيه أحمد بن عبد الرحمن، ولم يكن مجموع الجيش نظاميا ومتطوعا يتجاوز خمسة عشر ألفا، ويدل هذا على أن التعبئة النفسية والتنظيمية للجيش المغربي كانت بالغة القصور، وأنها لم تتم إلا في آخر لحظة وعلى إثر إعلان الحرب مباشرة من الطرف الإسباني على الرغم من أن إدارة المخزن كانت على علم تام بتحركات العدو.
وجرى مسلسل الحرب منذ أول مجابهة حتى احتلال تطوان في مدة تزيد عن شهرين ونصف نذكر أهم محطاتها:
ـ 23 ربيع الثاني 1276هـ/19 نونبر 1859م احتل الجيش الإسباني موقع سرايو على ثلاثة كيلومترات من سبتة.
ـ 24 ربيع الثاني/20 نونبر هاجم المغاربة الخطوط الأمامية وسقط قليل من القتلى بين الإسبان.
ـ 25 ربيع الثاني/21 نونبر انطلقت بعض القبائل المحتشدة بتطوان وهم وادراس وبني يدر وبني حزمر إلى “دار البيضة” فكانوا يهاجمون المواقع الأساسية ويتعرضون لمدافع العدو.
ـ 26 ربيع الثاني/22 نونبر هاجم المغاربة تحصينات الإسبان وقتلوا منهم 46 شخصا بالسلاح الأبيض.
ـ 27 ربيع الثاني/23 نونبر أخذت أعراض الكوليرا تظهر في الجيش الإسباني وهلك منهم في مدة الحرب حوالي 4000.
ـ 29 ربيع الثاني/25 نونبر قام المغاربة بهجوم واسع على القوات الإسبانية التي خسرت 399 جنديا وقتل أو جرح من المغاربة حوالي 70 حسب مخطوط أفيلال الذي يروي عنه المؤرخ محمد داود، وفي هذا اليوم قنبل المغاربة باخرة فرنسية ظنوها إسبانية فردت بقنبلة برج مرتيل الذي هدمته.
ـ 13 جمادى الأولى/9 دجنبر وقع هجوم كبير من الجانب المغربي قرب دار البيضة ساهم فيه عشرة آلاف رجل كلهم مشاة ما عدا مائتي فارس، وخسر الإسبان 373 جنديا، واعترف الإسبان بإحكام الهجوم المغربي وفعالية تنظيم الجيش المغربي بكيفية غير معتادة.
ـ 23 جمادى الأولى/19 دجنبر دخل الخليفة السلطاني الأمير العباس بن عبد الرحمن تطوان، ثم وقف على توجيه حاميتها نحو سبتة والتحق هو بها وتبعه جمع من شخصيات تطوان.
ـ 29 جمادى الأولى/25 دجنبر وقعت مواجهة جديدة فيما بين سبتة وتطوان وقتل فيها عدد كبير من الجانبين ثم قنبل الأسطول الإسباني مرسى تطوان لما وجه المغاربة كل قواتهم تقريبا باتجاه سبتة، لتصبح تطوان فريسة سهلة للقوات المهاجمة.
ـ 6 جمادى الأخيرة/1يناير 1860 وقعت معركة الفنيدق (تصغير فندق) وذلك أن الإسبان نقلوا جزء كبيرا من قواتهم إلى هذا المكان بقيادة الجنرال بريم بينما تراجعت القوات المغربية بقيادة المولى العباس إلى مجاز الحصا قبل يوم المعركة، وأخذوا يشنون هجوماتهم على الجيش الإسباني حتى كان اليوم المذكور فقذفوا بعشرين ألفا في مواجهة الإسبان الذين فقدوا عندئذ 619 محاربا، ولكن هذا الهجوم القوي لم يزحزح الإسبان عن مواقعهم بل قرروا الزحف باتجاه تطوان.
ـ 12 جمادى الأخيرة/7 يناير حل الإسبان بواد النيجرو، وبينما كانت الإمدادات تصلهم برا من سبتة وبحرا من إسبانيا كان بعض المتطوعين من المغاربة يستولون على دواب من المعسكر الإسباني ثم يقدمون بها إلى تطوان وغيرها موهمين السكان بالنيل من العدو في الوقت الذي يستولي فيه الإسبان على مزيد من الأرض كما لاحظ ذلك الناصري رحمه الله، وتوقفت سفنهم فيها بين وادي النيجرو ووادي أسمير حيث صادفت ريحا شرقية عاتية، وارتفعت مياه البحر من كل جانب ولم يستغل المغاربة الفرصة كما لاحظ الناصري ذلك أيضا، لأن الإسبان انقطعت عنهم خلال هذه المدة المؤن والإمدادات.
ـ 19 جمادى الأخيرة/14 يناير غادر الإسبان المنطقة الهائجة، في الوقت الذي تقرر فيه تراجع المغاربة إلى مدشر القلالين قريبا من تطوان، وبمجرد نزول العدو بالمضيق تحرك برا نحو تطوان من جهة فم العليق، وبدأ الاضطراب عندئذ يعم أوساط تطوان فخرج عدد منهم، وألقي القبض على بعضهم وأدخلوا السجن.
ـ 20 جمادى الأخيرة/15 يناير تحركت محلة المولى العباس إلى مدشر القلالين، وعوض أن تقوم المحلة بتقوية حماية برج مارتيل أمرت حامية المنطقة بإخلائها على وجه السرعة، وبذلك أتيح للعدو أن يحصل على ميناء ومركز دفاعي يحادي تطوان ويقع على البحر حيث أصبحت الإمدادات تصله الآن بكثرة وسهولة.
وعمد الإسبان إلى تحصين الموقع وإخلائه من الأسلحة والمدافع المغربية التي نقلت إلى إسبانيا، وباستيلاء الإسبان على مرتيل جردت تطوان من كل حماية خلفية أو بحرية، وإلى ذلك فقد أنشأ الجيش الإسباني برجا جديدا، وأثناء ذلك وردت أخبار عن إمدادات عسكرية بقيادة الأمير أحمد بن عبد الرحمن.
ـ 28 جمادى الأخيرة/23 يناير وقع اصطدام بين الجيشين أدى إلى هزيمة المغاربة واضطراب صفوفهم وفرارهم بشكل فوضوي باتجاه تطوان.
ـ 5 رجب/29 يناير وصلت الإمدادات بقيادة الأمير أحمد بن عبد الرحمن، فعسكرت بالجُزَيْرَة.
ـ 7 رجب/31 يناير احتشدت القوات المغربية القادمة مع مولاي أحمد بن عبد الرحمن ثم تقدمت باتجاه المعسكر الإسباني لتطويقه، فعمد الإسبان إلى توزيع فرقهم التي فاجأ بعضها المغاربة من خلف بينما أطلقت المدافع باتجاه القوات المتقدمة التي ردت بطلقات مدفعية من برج القلالين، واعترف الإسبان بسقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في صفوفه، لكنهم ردوا الهجوم المغربي واضطروا المغاربة إلى التقهقر حتى توقفوا عن مجابتهم تلقائيا.
ـ 10 رجب/3 فبراير عرض أودونيل الصلح على المولى العباس، ووقف زحفهم على تطوان مقابل تسليم المواقع المواجهة لسبتة عند الحدود وأداء تعويضات الحرب.
ـ 11 رجب/4 فبراير بدأ الإسبان زحفهم على المدينة، وأرسل أودونيل جناحا من الخيل طالعا مع الوادي إلى جهة المدينة، وجناحا من العسكر الرجالة طالعا من الغابة إلى جهتها أيضا، وزحف بعسكره شيئا فشيئا وهو في ذلك يرمي الكور والضوبلي والبغال تجر المدافع والجناحان ممتدان يكتنفان محلة المولى أحمد، ولما قربا منها وكاد ينطبقان عليها فر من كان بها وتركوا الأخبية والأثاث بيد العدو، فاستولى عليها ونزل هنالك بعسكره وحصن عليه وتقهقر المولى العباس بجيشه حتى نزل خلف تطاوين وبقيت بينه وبين العدو، وكان في تقهقره هذا قد دخل المدينة ومرَّ في وسطها واضعا منديلا على عينيه وهو يبكي أسفا على الدين وقلة ناصره، وأذن للسكان في تحويل أثاثهم وأمتعتهم وحريمهم إلى مداشر الجبل وحيث يأمنون على أنفسهم قبل حلول معرة العدو بهم.
ـ 13 رجب/5 فبراير دخل الإسبان تطوان بدون عائق واستولى الضباط على البيوت الرئيسة في البلد وكانت لائحتها بأيديهم مقدما لأن عددا من الأسر كانت لها علاقة حميمية بالإسبان وتحظى بحمايتهم، ولم ينقطع النهب في المدينة إلا بعد أن تسامع مرتكبوه بضجيج الإسبان الذين رفعوا راية بلادهم على أحد الأبراج.
وقامت السلطات العسكرية الإسبانية بالاستلاء على 146 مدفعا وأسلحة أخرى وذخائر تركها الجيش المغربي دون أن يحسن استخدامها أو استصلاح ما يمكن استصلاحه منها.
ـ 24 رجب/17 فبراير توجه وفد عن المولى العباس إلى القائد الأعلى أودونيل يستفسر عن شروط الصلح التي يعرضها الإسبان.
ـ 24 فبراير 1860 انعقدت أول مفاوضة للصلح ضمت أودونيل والمولى العباس والخطيب في خيمة نصبت على مقربة من قنطرة وادي بوصفيحة.
ـ 26 فبراير 1860 قنبل الأسطول الإسباني مدينة أصيلا.
ـ 18 شعبان/11 مارس قامت مجموعة كبيرة من القوات المغربية بهجوم على مواقع الجيش الإسباني الذي تكبد فيها خسائر كبيرة فاقت الخمسمائة قتيل كما قال الناصري.
ـ 23 شعبان/16 مارس عرض أودونيل عرضا جديدا أقل تشددا من الأول.
ـ 30 شعبان/16 مارس كان الجيش الإسباني قد استعد لضرب محلة المسلمين فجعل تطاوين خلفه وتقدم حتى كان بوادي أبي صفيحة فلما شعر به الناس من أهل المداشر والمتطوعة تسابقوا إليه من كل جانب، ووافق ذلك اليوم قدوم عرب الحياينة، جاؤوا في حرد كبير وحنق شديد، فأوقعوا به وقعة أنست ما قبلها فقتلوا 1268، وهي دون شك أعظم مواجهة في حرب تطوان، واعترف فيجيراس بتفوق المقاتلين المغاربة.
إلى أن عقد الصلح بين الجانبين في يوم الأحد 2 رمضان 1276هـ/25 مارس 1860م، ثم تلت ذلك معاهدة تطوان في 4 شوال 1276هـ/26 أبريل 1860 وهي تفصيل شروط الصلح وتدقيقها وقد أمضاها مبدئيا، مولاي العباس وأودونيل، وصادق عليها ملك المغرب محمد بن عبد الرحمن في 26 ماي 1860م، وهي من 16 بندا، كما صادقت عليها ملكة إسبانيا في نفس اليوم.