(السلفوبيا).. حرب على الإرهاب أم حرب على الإسلام؟ حماد القباج

في شهر مارس من العام الماضي (2011) نشرت بعض وسائل الإعلام العلمانية في مصر خبرا مفاده أن سلفيين أقدموا على إقامة الحد بـ “قطع الأذن” تجاه مواطن قبطي بمحافظة “قنا” بصعيد مصر قيل إنه يدير شقة للدعارة!
وكان هذا واحدا من جملة عشرات الأخبار الزائفة المشكلة للحملة الإعلامية المروِّجة لنظرة الكراهية ضد السلفية، والتي لم يتورع نظام الرئيس المخلوع أن يفجر من أجلها كنيسة (القديسين) بالإسكندرية ويقتل العشرات قبيل اندلاع ثورة 25 يناير..
وفي تونس زعمت وسائل إعلام محلية أن جماعات “سلفية وهابية” شرعت منذ الإطاحة في 14 يناير 2011 بالطاغية “بن علي” في هدم أضرحة صوفية بكامل أنحاء البلاد!
وهكذا في ليبيا لم يسلم السلفيون من لعنة الإعلام (الميكيافيلي) الذي يستحل الكذب أو يضخم الصغير من أجل تصفية حسابات (إيديولوجية).
كما لم يسلم المغرب من هذا النوع من الإعلام الموجه والصحافة المأجورة:
لا أريد أن أرجع إلى ما بعد أحداث 16 ماي وما بني عليها من حملة عدوانية استئصالية شرسة على كل ما هو إسلامي ..
ولكن حسبي أن أُذَكّر هنا بأهم الأخبار الكاذبة التي سارعت إلى نشرها -بعد الربيع العربي- جرائد مغربية مشهورة:
في عددها المؤرخ ب: 12 مارس 2012 نشرت يومية “الصباح” خبرا تحت عنوان: سلفيون اعتدوا على فتاة ونزعوا ثيابها!
وبعد أسبوعين وبتاريخ: 27 مارس؛ نشرت يومية “أخبار اليوم” خبرا بعنوان: سلفي يقتل يهوديا بحي الملاح بفاس!
على إثر هذا النشر المريب؛ أجرت أسبوعية “السبيل” تحقيقا حول الخبرين، وانتقل أحد صحافييها إلى المكانين الذين شهدا الحادثتين، واستجوب أقارب إحدى الضحيتين وشهود الحادثتين؛ فنفوا نفيا قاطعا أن يكون للحدثين علاقة بمتدين.
وثالثة الأثافي؛ ما راج مؤخرا في وسائل إعلام وطنية ودولية من قيام سلفيين مغاربة بطمس وتخريب معالم نقوش صخرية توجد في إحدى المناطق بالحوز، لكون بعض تلك النقوش التي تمثل “لوحة الشمس” ترمز إلى “أوثان” تنافي عقيدة التوحيد!!
والأغرب أن يومية الصباح التي تولت كبر نشر هذا الخبر الكاذب؛ أصرت على صحته مع تعديل في الرواية؛ وهو أن النقش كان سيتعرض للتخريب لولا يقظة السكان!!
وكأن هؤلاء السكان الذين يعانون من الفقر والجوع وضعف التعليم، فجأة تحسنت أوضاعهم المادية ووعيهم الثقافي لدرجة أن جعلوا من أنفسهم حماة لقطعة أثرية لا يعرفها من المخلوقين إلا الشمس والقمر وبعض موظفي وزارة الثقافة..
“المفارقة الغريبة -يقول فريق هسبريس عند وقوفه على الصخرة وحقيقة خبرها- هي أن هذه الضجة التي وصلت أصداؤها إلى خارج المغرب، وتناولتها عدد من وسائل الإعلام الدولية؛ لا علم لأهل المنطقة بها! وأن عددا من الذين سألتهم “هسبريس” أجابوا بأنهم لا يعلمون أصلا سبب زيارتنا لتلك المنطقة”!!
لا يحتاج المرء أن يكون مفرط الذكاء ليدرك بأن هذه الأخبار لا علاقة لها بالمهنية الصحافية بقدر ما إنها تحريض على الكراهية وتصفية لحسابات إيديولوجية وتحقيق لمكاسب سياسية؛ لكن المعرفة الموضوعية بحاجة إلى معطيات مهمة لفهم خلفيات هذه الحرب القذرة:
بعد أحداث 11 شتنبر صدرت تقارير غربية أوصت بتشجيع نوع من الإسلام؛ وهو ما سمته: الإسلام التقليدي أو الإسلام الصوفي، وبالموازاة مع ذلك شددت على ضرورة محاصرة الإسلام السلفي..
وهو ما طبقته السياسة الأمريكية وجعلته من مشمولات ما سمته حربا على الإرهاب، وقد فرضت (الإمبريالية) الأمريكية على الحكومات في الدول الإسلامية العمل على خدمة هذا التوجه، ملوحة بعصا: (من لم يكن معنا فهو مع الإرهاب)!!
وكان السبب المعلن لهذه الحملة العدائية الرادكالية؛ هو تجفيف منابع الإرهاب بناء على نظرية (السلفية تفرخ الإرهاب)، وأن السلفية بيئة صالحة لإنتاج الإرهاب والإرهابيين..
غير أن هذا السبب سرعان ما يتلاشى حين نستحضر بأن الدعوة السلفية في تاريخها وواقعها، لها موقف صارم وثابت من العنف والتخريب والتدمير والعدوان .
وممارسة ذلك باسم الدين والجهاد؛ سلوك ترفضه السلفية، وهي أول من ردت عليه وزجرت عنه من خلال كبار علمائها كالشيخ الألباني والشيخ ابن باز والشيخ ولد عدود والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله.. الذين كانوا يقاومون فكر التشدد والغلو وسط الشباب المتدين المتحمس، قبل أن يترجمه بعض هؤلاء المتحمسين إلى أعمال تخريبية متطرفة..
ولما أعلنت بعض التنظيمات تبنيها للعنف في مواجهة ظلم أمريكا وعدوانها؛ كان علماء السلفية أول من رد عليها ونهاها، وبيّنوا أن موقفها خطأ فادح يتنافى مع السنن الشرعية والمنهاج الصحيح للإصلاح والتغيير..
كما بيّنوا لأصحاب فكرة التخريب والتفجير بأن تغيير المنكر ومدافعة الشر؛ لهما فقه وضوابط تجعلهما أسمى من أن يتجسدا في ردود أفعال طائشة ومواقف تغيب فيها الحكمة ويخفت فيها نور البصيرة (كهدم الأضرحة والتماثيل) ..
إن السبب الحقيقي لهذه الحملة على السلفية؛ إنما هو كونها -أي السلفية- منهاجا يلتزم الضوابط الشرعية لفهم النص والعمل به، ويدعو إلى الالتزام الشمولي بأحكام الإسلام وإرشاداته، وتطبيقها على مستوى الفرد والمجتمع والدولة، عقيدة وشريعة علما وعملا تصورا وسلوكا..
جاء في دائرة المعارف البريطانية: “الحركة الوهابية( )اسم لحركة التطهير في الإسلام، والوهابيون (السلفيون) يتبعون تعاليم الرسول وحده، ويهملون كل ما سواها، وأعداء الوهابية هم أعداء الإسلام الصحيح”اهـ.
وقال المستشرق اليهودي (جولدتسيهر) في كتابه (العقيدة والشريعة): “إذا أردنا البحث في علاقة الإسلام السني بالحركة الوهابية نجد أنه مما يسترعي انتباهنا خاصة من وجهة النظر الخاصة بالتاريخ الديني؛ الحقيقة الآتية:
يجب على كل من ينصب نفسه للحكم على الحوادث الإسلامية أن يعتبر الوهابيين أنصارا للديانة الإسلامية على الصورة التي وضعها النبي وأصحابه، فغاية الوهابية هي إعادة الإسلام كما كان”اهـ.
ومعلوم أن الإسلام الشمولي المشرِّع، المحلل والمحرم؛ مرفوض في التوجه العلماني المهيمن على النظام العالمي الجديد، وما دام أن السلفية هي المنهاج الوحيد الذي يتبنى مبدأ التمسك بالنص، ويجعل العمل به أصلا راسخا وتأويله عارضا استثنائيا منضبطا، ويؤمن بشمولية الدين وعدم قابليته للتجزيء، وأنها المقاوم الأقوى والأبرز لمكيدة تحريف الدين وإسقاط قدسيته بذريعة العصرنة وتحديث النص الديني وجعله معاصرا لنفسه؛ فهي المهدد الأكبر للمشروع العلماني..
ومعلوم أن تفسير النص والعمل به في إطار الثوابت الأصولية والقطعيات المنهجية في فقه الاستنباط والتأويل؛ يعد عند العلمانيين تطرفا وجمودا وماضوية؛ ومن هنا فإن الحرب ليست على مسمى السلفية، أو أناس يوصفون بالسلفيين؛ بقدر ما إنها حرب على الإسلام وثوابته وتشريعاته وتاريخه الفقهي..
وقد جزم الناشط العلماني أحمد عصيد بأن شمولية الإسلام “فكرة إرهابية”، وبأن دينا يشتمل على حكم: {للذكر مثل حظ الأنثيين} دين متجاوز، وبأن معبدا الجهني وغيلان الدمشقي قدموا قراءة نيرة للنص القرآني لكنها اضطهدت شر اضطهاد، مما رجح كفة النقل على العقل، مع تحكم السنة الذين قدموا تأويلاً للنصوص بكيفية رافضة لحرية الاعتقاد.
ولأجل تجاوز هذا المأزق؛ اقترح عصيد إعادة قراءة النص القرآني بما يجعله يتماهى وقضايا الساعة ..”.
إن المجموعة التي ينتمي إليها هذا الرجل ومن يدعو بدعوته في الأوساط السياسية والفكرية والصحافية؛ يناضلون إعلاميا وحقوقيا وسياسيا للانقلاب على ثوابت الدولة والبلد، ويعملون على تغيير الأصول المحكمة للعمل بالدين بالأصول المنحرفة التي تمخض عنها فكر (علي عبد الرازق) و(أركون) و(حامد أبو زيد) و(العروي) وأمثالهم من المعادين للإسلام الرافضين لحاكميته وتشريعاته..
وإشاعة (السلفوبيا) إنما هو غطاء يسترون به هدفهم النهائي؛ وهو قطع الطريق على أي مشروع يسعى لجعل الإسلام منهج حياة وجعل شريعته مصدرا للتشريع، لا سيما أنهم لن يعدموا شبابا يتصرف بطيش ورعونة وينسب حماقاته إلى السلفية..
إن واضعي النظام العالمي الجديد وأنصارهم وعملاؤهم يريدون إسلاما ممسوخا مبتورا؛ إسلاما لا يحرم ربا ولا قمارا ولا خمرا ولا زنا..، إسلاما يقبع في الزوايا والضمائر ولا يتدخل في فكر الإنسان وإبداعه وسلوكه ونمط عيشه ولباسه ومأكله ومشربه وعلاقاته الجنسية…
وكل من دعا إلى الإسلام كما أنزله الله سبحانه ورضيه للناس؛ فهو سلفي أصولي إرهابي تصادَر آراؤه ويسفه حلمه..
ولذلك لا بد من التنفير منه إعلاميا ولو بالأخبار المكذوبة، ولا بد من حرمانه من حرية إبداء الرأي ولو كان ذلك منافيا للديمقراطية، ولا بد من مصادرة حقوقه ولو أدى ذلك إلى خرق القانون والدستور..
إن إدراكنا للخلفية الحقيقية لمحاربة السلفية لن يكتمل إلا بمعرفة حقيقة مهمة؛ وهي أن مناهضة السلفية كان مشروعا استراتيجيا للمستعمر:
يقول الأستاذ عبد القادر العافية في مقالته “الاتجاه السلفي بالمغرب”:
“إن صمود المغاربة على الخط الإسلامي المالكي السلفي وقف في وجه التيارات المنحرفة، ووقف في وجه الاستعمار وناهضه.
لكن وبكل أسف، وجد من بيننا اليوم -تحت وطأة التأثير الاستعماري والصهيوني- من يصور الاتجاه الإسلامي والسلفي بصورة شائنة، بل تقوم حملة منسقة ضد السلفية بمفهومها أنها “الإسلام” وهذه الحملة تهدف إلى تصوير السلفية للناشئة تصويرا سيئا يصمها بالرجعية والتأخر، ويبعث على السخرية منها والازدراء بها..
وهذا تشويه للحقائق وتزوير للتاريخ..؛ فالاتجاه السلفي بالمغرب هدف دائما وأبدا إلى إيقاظ الهمم، وتحرير العقول ومناهضة عوامل التخلف، ومقاومة الاستسلام، وهو اتجاه سليم بريء من كل ما وصمه به أعداؤه من الرجعية والتخلف، وتاريخ المغرب خير شاهد على ذلك”اهـ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *