البدعة: لغة
قال ابن منظور في لسان العرب مادة: (بدع): بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه أنشأه وبدأه.. البديع، والبدع: الشيء الذي يكون أولاً، وفي التنزيل: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} أي ما كنت أول من أرسل وقد أرسل قبلي رسل كثير.
والبدعة: الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال، وأبدع وابتدع وتبدع: أتى ببدعة قال الله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} وبدَّعه نسبه إلى البدعة.
واستبدعه: عده بديعاً. والبديع المحدث العجيب. والبديع: المبدع وأبدعت الشيء اخترعته لا على مثال. والبديع: من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها.. اهـ.
وقال الراغب الأصفهاني في المفردات: (الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء.. والبديع يقال للمبدع نحو قوله: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}، وقوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ}، قيل معناه مبدعاً لم يتقدمني رسول.. والبدعة في المذهب إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدمة وأصولها المتقنة. اهـ.
وقـال أبـو الـبـقـاء الـكـفـوي في الكليات: الـبـدعة كـل عمل عـُمل عـلى غـير مـثـال سـبـق فـهـو بدعة. اهـ.
البدعة: اصطلاحا
البدعة مخالفة السنة، وهي مذمومة لأنها محدثة لا أصل لها في الشرع، وعلى هذا الإمام مالك والبيهقي والطرطوشي وشيخ الإسلام ابن تيمية والزركشي وابن رجب وجم غفير من أهل العلم.
وعلى هذا أيضا الإمام العلم الشاطبي رحمه الله حيث قال: (البدعة إذا عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه، وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة وإنما يخصها بالعبادات) الاعتصام 1/37.
وقال رحمه الله تعالى: (فالطريقة والطريق والسبيل والسنن هي بمعنى واحد وهو ما رسم للسلوك عليه وإنما قيدت بالدين لأنها فيه تخترع وإليه يضيفها صاحبها، وأيضاً فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسم بدعة كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم. ولما كانت الطرائق في الدين تنقسم -فمنها ما له أصل في الشريعة ومنها ما ليس له أصل فيها- خص منها ما هو المقصود بالحد وهو القسم المخترع أي طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها من الشارع، إذ البدعة إنما خاصتها أنها خارجة عما رسمه الشارع وبهذا القيد انفصلت عن كل ما ظهر لبادي الرأي أنه مخترع مما هو متعلق بالدين كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الفقه وأصول الدين وسائر العلوم الخادمة للشريعة، فإنها وإن لم توجد في الزمان الأول فأصولها موجودة في الشرع) اهـ الاعتصام 1/37.
وقوله: [تضاهي الشرعية] أي تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك بل هي مضادة لها من أوجه متعددة:
– منها وضع الحدود كالناذر للصيام قائماً لا يقعد، ضاحياً لا يستظل، والاختصاص في الانقطاع للعبادة..
– ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً.
– ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته.
وقوله: [يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى] هو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها.
وذلك أن أصل الدخول فيها يحث على الانقطاع إلى العبادة والترغيب في ذلك لأن الله تعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} فكأن المبتدع رأى أن المقصود هذا المعنى ولم يتبين له أن ما وضعه الشارع فيه من القوانين والحدود كاف.. وقد تبين بهذا القيد أن البدع لا تدخل في العادات فكل ما اخترع من الطرق في الدين مما يضاهي المشروع ولم يقصد به التعبد فقد خرج عن هذه التسمية) اهـ كلام الشاطبي من الاعتصام (1/37-41).