حرب الصحافة والإعلام على العفة والاحتشام والجهل بالحكمة والأحكام محمد برعيش

يعجب المرء ويصيبه الاستغراب، بل يشك في بعض الأحيان هل هو في المغرب أم في الغرب، وذلك حين تتناول بعض المنابر الإعلامية موضوع الحجاب أو النقاب بالطرح والنقاش، فتحاول تصوير هذه الشعيرة الدينية على أنها تزمت ورجعية، وأن النساء المنقبات لا يلبسن إلا الخشن من الثياب، وأن الألوان تنحصر عندهن في ثلاثة لا رابع لها، الأسود والرمادي والبني، وكأنهن يعشن في كهف لم يخرجن منه بعد.
أما خياط النقاب فهو عندهم لا تنغرس إبره إلا في الأثواب الخشنة، ولا تكفيه بعض السنتيمترات التي تكفي غيره لخياطة سترة أو قميص أو سروال، بل يزيد على ما تفترضه العادة بالضعف أو الضعفين.. وأن المنقبات لسن ممن يطلبن الظهور بلون فرح وتفاؤل، بل يخترن ألوانا قاتمة لا تثير انتباه أحد ووحدها القَصَّة الفضفاضة بل المفرطة في فضفضتها تجعلهم يدقون باب هذا الخياط فيقصدونه رأسا.
وهو كلام في مجمله يتضمن العديد من المغالطات، ويدل دلالة صريحة على أن كثيرا من الصحفيين يعانون من ضحالة في المعلومات الشرعية والثقافية، وجل كلامهم يعتمد على نقل شبه المستشرقين، وهرطقات العلمانيين، لذا فتحليلاتهم تتسم غالبا بالسطحية والانحياز التام للفكر الغربي، حتى يتخيل للقارئ أن المتدخلين في هذا الشأن ليسوا من هذا البلد ولا يعرفون من دين الإسلام إلا اسمه.
فأين هي الحرية الفردية التي يتغنون بها صباح مساء، أم أنها حكر على صاحبات الخدن وأمهات أبناء الزنا (الأمهات العازبات)، ولا حق للمرأة المسلمة المنقبة التي اختارت التشبه بخير نساء الدنيا من ذلك، وحقها السخرية والتهكم فقط، وقد كان ذلك شأن سلفهم من المستهزئين بالصالحين والصالحات وقد بينهم الله لنا في القرآن أتم بيان فقال: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ، وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ، وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ}. أي سخرية بهم.
أما الثوب الفضفاض الذي لا يصف جسم المرأة فأمر واجب ومطلب شرعي، وهو شرط من شروط الحجاب، لأن الغرض من وضع شروط لباس المرأة إنما هو رفع الفتنة، ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع، وأما الضيق فإنه وإن ستر لون البشرة فإنه يصف حجم جسمها أو بعضه ويصوره في أعين الرجال، وفي ذلك من الفساد والدعوة إليه ما لا يخفى، فوجب أن يكون واسعا، قال ابن أبي زيد في الرسالة ص:197: “ولا يلبس النساء من الرقيق ما يصفهن إذا خرجن”، وهذا النهي للتحريم كما في حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/451)، وقد قال أسامة بن زيد: (كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال: مالك لم تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي فقال: مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها).
فلينظر القارئ الكريم كيف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تجعل المرأة تحت القبطية غلالة -وهي شعار يلبس تحت الثوب- ليمنع بها وصف بدنها، والأمر يفيد الوجوب كما هو مقرر في علم الأصول، ولذلك قال الشوكاني في شرح هذا الحديث (2/97) ما نصه: (والحديث يدل على أنه يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه وهذا شرط ساتر العورة..). (جلباب المرأة المسلمة ص:132).
فتبين بذلك أن من شروط الحجاب أن يكون فضفاضا لا يحدد العورة، وأن ألوان لباس المرأة المنقبة لا تنحصر في ثلاث، فلم التجنِّي والكذب؟
ولم الهجوم على لباس عرفته المرأة المغربية منذ أكثر من أربعة عشر قرنا؟
الجواب واضح وهو أن العلمانيين يريدون أن يصيروا المرأة المغربية نسخة طبق الأصل لما يروجونه على صفحات مجلاتهم وجرائدهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *