الواجب على كل مسلم في كل زمان وفي كل مكان أن تكون عقيدته مطابقة لعقيدة الصحابة رضي الله عنهم، وأن يكون فهمه للكتاب والسنة على فهم الصحابة رضي الله عنهم.
فالذي دعا إلى ظهور اسم السلفية، أو أهل السنة والجماعة، أو أهل الحديث والأثر.. ما حدث من افتراق الأمة، ومن ظهور البدع التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم كالخوارج، والمعتزلة، والشيعة.. وغيرها من فرق الضلالة، فلما تفرقت الأمة واختلفت المناهج وظهرت الأهواء والآراء كان لابد لأهل الحق أن يتميزوا باسم وبمنهج.
فالذين يتميزون بمنهج أهل السنة، أو السلفيون هم الذين يحافظون على معتقد الصحابة رضي الله عنهم وفهم السلف للكتاب والسنة.
فالدعوة السلفية ليست فهم الإسلام بفهم شخص من الناس، ليست فهم شيخ الإسلام ابن تيمية، أو فهم ابن القيم، أو فهم محمد بن عبد الوهاب.. ولكن السلفية هي المُحافظة على معتقد وفهم السلف للكتاب والسنة، وإليك أخي القارئ الكريم بعض قواعد هذا المنهج المبارك:
أول قاعدة من قواعد المنهج السلفي: تقديم النقل على العقل
في الواقع إن هذه القاعدة هي التي تميِّز أصحاب المنهج الصحيح من أصحاب المناهج والأهواء المبتدعة، فأهل السنة يقدمون النقل على العقل، فإذا قال الله عز وجل فلا قول لأحدٍ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا قول لأحد.
وهم يحترمون ويتأدبون مع النص الوارد في الكتاب والسنة الصحيحة، عملاً بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}الحجرات، أي: لا تقدموا قول أحد ولا هوى أحد على كلام الله عز وجل، أو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الفهم كان واضحاً جداً عند الصحابة رضي الله عنهم، حتى قال ابن عباس كلمته الشهيرة: “توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر، وقال عمر”.
فكان هذا المنهج واضحاً عند الصحابة، فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا اعتبار بأي قول يُخالف قوله، ولو كان قول أبي بكر أو عمر رضي الله عنهم، وهما شيخا الإسلام والخليفتان الراشدان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “اتهموا الرأي في الدين، فلقد وجدتني يوم أبي جندل أرده”، يعني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يقول: “ألسنا على الحق وهم على الباطل، علام نعطي الدَّنية في ديننا”، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: “الزم غزرك، فإنني رسول الله ولا يضيعني الله عز وجل”، ويذهب إلى أبي بكر ويقول له: “علام نعطي الدنية في ديننا، ونحن على الحق وهم على الباطل”، وكان يرى أن ما اتفق عليه في صلح الحديبية فيه حيف شديدٌ على المسلمين، ثم ظهرت بعد ذلك بركات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففي عودة النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية نزلت سورة الفتح، كلها بشريات، وكلها خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، حتى قال الصحابة: أنتم تعدون الفتح: فتح مكة، ونحن نعد الفتح: صلح الحديبية، لِما أتى بعده من الفتح ومن الخير ببركة التسليم لله عز وجل، ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
فهذه أول قاعدة تميز أهل السنة والجماعة من غيرهم.
القاعدة الثانية: رفض التأويل الكلامي
فالتأويل بالمعنى الاصطلاحي هو: صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر، يعني: مرجوح، فمثل هذا التأويل مردود عند السلف، لأن ظاهر الكتاب والسنة يجب القول به، والمصير إليه.
لأننا لو فتحنا باب التأويل لانهدم الدين، ولكان لكل إنسان أن يقول: ظاهر الآية غير مراد، وظاهر الحديث غير مراد، إنما أراد الله عز وجل كذا، وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، كما فعلت الخوارج وغيرهم من أهل البدع، فيفتح باب من أبواب الشر، وما أريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفين، إلا بالتأويل، فالتأويل كان باب شر عظيم جداً للأمة، فظاهر الكتاب والسنة يجب القول به، والمصير إليه، حتى يدل الدليل على أن الظاهر غير مراد، فهذه القاعدة الثانية عند أهل السنة والجماعة هي رفض التأويل الكلامي.
والقاعدة الثالثة: كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث
قال الله عز وجل: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} الفرقان، فالسلفيون لا يؤصلون أصولاً من عند أنفسهم، ثم ينظرون بعد ذلك في الكتاب والسنة، فما وافق أصولهم أخذوا به، وما خالفهم أوّلوه أو ردوه، كما يفعل أهل البدع، ولكن أهل السنة يجمعون النصوص من الكتاب والسنة في المسألة الواحدة، ثم تكون هي أصولهم التي بها يقولون، وحولها يدندنون، فهم لم يؤصلوا غير ما أصله الله عز وجل، أو رسوله صلى الله عليه وسلم.
فتجد دعاة التكفير مثلاً يقولون: بأن فاعل الكبيرة في النار، فتكذبهم الآيات والأحاديث التي تخبر بمغفرة الله عز وجل للذنوب التي هي دون الشرك {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} النساء، وأحاديث الشفاعة أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان مع قول لا إله إلا الله.
فيرجعون إلى رد هذه الأحاديث أو تأويلها، وتأويل الآيات التي يخبر فيها الله عز وجل بأنه يغفر الذنوب جميعاً مع التوبة، ومع غير التوبة.
ومن مات على ذنب دون الشرك، فهو في مشيئة العزيز الغفار، إن شاء غفر بفضله ورحمته، وإن شاء عَذَّبَ بعدله وحكمته.
فنحن نرجو للمحسنين من المسلمين الجنة، ونخاف على المذنبين من المسلمين من النار، ولكن لا نقطع لأحد من المسلمين المحسنين بالجنَّةِ، إلا من قطع له الشرع الحنيف بالجنة، كالعشرة المبشرين، ونخاف على المذنبين الذين ماتوا على التوحيد ولكن لا نقطع بأنهم من أهل النار.
فالحاصل: أن أهل البدع يؤصلون الأصول من عند أنفسهم، ثم ينظرون بعد ذلك في الكتاب والسنة، فما وافق أصولهم يأخذون به، وما خالفه إما أن يردوه وإما أن يؤولوه، فهم لا ينظرون في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم نظر الفقير المحتاج، ولا يَرِدُون شرعه صلى الله عليه وسلم ورود العطشان كما فعل أهل السنة والجماعة، فكان جزاؤهم من جنس العمل.
وهذه هي القاعدة الثالثة من قواعد المنهج السلفي، وهي: كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث، لذلك نجد الكتب التي تنسب إلى أئمة السنة ومن ينتهج بهذا المنهج الواضح الحق، يستدلون دائماً بالآيات والأحاديث، فهي جنتهم التي فيها يرتعون، وإليها ينقلبون، بخلاف كتب أهل البدع، والكتب التي تقول بأشياء تخالف النصوص، فيرجعون إلى عقولهم، أو بعض الآراء التي يستطيعون أن يروجوا على الناس بها باطلهم. (قواعد المنهج السلفي، أحمد فريد بتصرف).
فالسلفية إذن هي التزام معتقد الصحابة رضي الله عنهم وفهمهم لنصوص الكتاب والسنة، وعدم اعتقاد العصمة إلا في المعصوم صلى الله عليه وسلم، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.