أكثر ما يتخوف المرء منه حاليا أنه في اللحظة التي يعلو فيها صوت الأذان من على مآذن مسجد آیا صوفيا الأربع بإسطنبول من جديد بعد انقطاع ما يقرب من 60 عاما (واليوم مر على ذلك 86 عاما)، بسبب إغلاق الجامع وتحويله متحفا لإرضاء الغرب الصليبي، بعد إقامة العبادة فيه 481 عاما، أن يسمع قرع أجراس بطريركية “فنار الروم” الأرثوذكس بإسطنبول؛ إيذانا بإعلان تحويلها إلى فاتيكان أرثوذكسي، وإقامة دولة أرثوذكسية مستقلة في قلب مدينة اسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية؛ والتي تضم 10 مليون مسلم وعدة آلاف من النصارى..(اليوم عدد سكانها أكثر من 15 مليون نسمة).
وهي الخطوة الأولى نحو تحقيق الحلم الصليبي الذي يتم توريثه للأجيال الصليبية باستعادة اسطنبول مرة أخرى من المسلمين، والتي مازالت تشكل جرحا غائرا في الوجدان الصليبي حيث إنها كانت عاصمة دولتهم البيزنطية تحت اسم القسطنطينية.
وإذا كانت السِرّية هي إحدى الصفات اللازمة للمؤامرة، إلا أنها هذه المرة ليست كذلك، وربما يرجع السبب إلى محاولة الإمعان في إذلال المسلمين، في زمن غثاء السيل الذي نعیشه حاليا، وإن كان فوز حزب الرفاه الإسلامي في الانتخابات المحلية التي أجريت 28 مارس/آذار الماضي (1994م) بتركيا خاصة في مدينة إسطنبول، قد أجّل تحقيق الحلم الصليبي لبعض الوقت، حيث أبلغت “تانسو تشيللر” رئيسة الوزراء التركية بيل كلينتون الرئيس الأمريكي، أثناء مباحثاتهما غير الرسمية، صعوبة تحقيق الطلب الأمريكي بإعطاء شخصية الدولة المستقلة في الوقت الحالي لبطريركية “فنار الروم” خاصة بعد النتائج التي أعطتها الانتخابات المحلية لصالح الرفاه، وذلك الكلام على ذمة “سردار تورغوت” مراسل صحيفة “حريت”، کبری الصحف التركية والمنشور يوم 1994م، والمراسل علماني والصحيفة يملكها اليهود أيضا.
وكذلك أنقذ مسجد “آیا صوفيا”، من إعادة تحويله إلى كنيسة مرة أخرى، كما كان يطالب الغرب بذلك، وضمّه إلى الفاتيكان الأرثوذكسي، حيث تتجه الحكومة حاليا لإعادة فتح للعبادة لتفويت الفرصة على تنامي شعبية حزب “الرفاه” الذي يضع ذلك على رأس جدول أعماله ودعايته، وكذلك لامتصاص النقمة الشعبية في حالة الرضوخ للضغوط الغربية وإعطاء بطريركية “الفنار” شخصية الدولة المستقلة، وإقامة الفاتيكان الأرثوذكسي في إسطنبول.
المؤامرة من أفواه أصحابها
وحتى تخرج “المجتمع”، من دائرة اتهام العلمانيين للإسلاميين بأنهم ينتهجون منهج التفسير التأمري عند تقييمهم للأحداث، فسنعتمد على التقاط تفاصيل المؤامرة من أفواه أصحابها وكتاباتهم وهو ما سيتضح عبر رصد المواقف وتطورات الأحداث حول “الفنار” و”آیا صوفيا”.
وتعتبر بطريركية “فنار الروم” أحد أضلاع المثلث التأمري، حيث يتم العمل على قدم وساق لتحويلها إلى فاتيكان أرثوذكسي رغم تعارض ذلك مع أحكام معاهدة “لوزان”، والتي نصت على بقائها ككنيسة للروم الأرثوذكس وتعميرها فقط، دون غيرها من الكنائس الأخرى علاوة على عدم إقامة كنائس جديدة أو تعمير المهدم منها، ورغم ذلك تم تعمير مئات الكنائس وليس الفنار فقط، تحت ستار المحافظة على الأماكن السياحية.
جدير بالذكر أن بطريركية “الفنار” شاركت الجيش اليوناني في عدوانه على تركيا عام 1918م، حيث أرسلت متطوعين بلغ عددهم خمسة آلاف بأسلحتهم لدعم هذا الجيش، في الوقت الذي انشق فيه 72 راهبا أرثوذكسيا على أسقف الكنيسة بسبب موقفه، وشاركوا في المقاومة الوطنية.
وعند احتلال اسطنبول في 16 مارس 1920م رفعت بطريركية “الفنار” الأعلام البيزنطية ابتهاجا.
ويعتبر الأسقف “ديمتري بارتيليموس” هو الأكثر نشاطا لتحقيق الحلم الأرثوذكسي حيث يقود تحركا يعتمد محورین:
الأول خارجي يستهدف من خلاله توحيد أرثوذكس العالم واستثارة المشاعر الدينية لدی زعماء الدول الأرثوذكسية لممارسة الضغوط الدولية على تركيا .
والثاني القيام بشراء مساحات من الأراضي المجاورة للبطريركية، والمطالبة باستعادة جامع آيا صوفيا وتحويله كنيسة، ففي تقرير اللجنة البرلمانية المشكلة من 9 أعضاء من مجلس الشعب التركي عن أحزاب الطريق القويم، والاجتماعي الشعبي، والوطني الأم، والرفاه، إشارة واضحة إلى عملية الشراء، حيث قامت البطريركية بشراء 4 آلاف متر دفعت فيها مبالغ كبيرة لا تتناسب مع تلك المساحة؛ كما استولت على 600 متر من أراضي البلدية بشكل غير قانوني، وتم إرسال نسخة من التقرير إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيسة الوزراء وزراء الخارجية والداخلية والتعمير والثقافة، بينما أكد “آرجون جوزده” الكاتب الصحفي، أنه تم شراء 19 منزلا من المنازل المحيطة بالكنيسة، وتم ربطها بوقف الكنيسة؛ وتبلغ مساحتها 4920 مترا، وذلك بهدف توسيع مساحة الكنيسة قبل إعلان الدولة الأرثوذكسية.
أعلن ذلك في مؤتمر وقف الوحدة يوم17 أبريل 1994م، وكان عنوانه: “البطريركية والاتفاق الأرثوذكسي”، والذي عقد في اسطنبول لمناقشة المخطط السري لإقامة دولة أرثوذكسية، ويحذر الكاتب الصحفي “مصطفي نجاتي أوزفاتورة” في مقاله المنشور في صحيفة تركيا يوم 08 مارس 1994م، والذي كان عنوانه: “الاستعداد لتحويل مسجد آیا صوفيا إلى كنيسة” من أن البطريركية تخطط وتقوم بالفعل بشراء 500 ألف متر مربع على أطراف آیا صوفیا، وبجوار البطريركية، وذلك في سرية تامة لتكون أساس الدولة الأرثوذكسية، ويشير إلى ارتباط بعض رجال الأعمال الأتراك بتلك العملية، مذكرا في مقاله بأنه لم يكن لليهود دولة في فلسطين في العصر العثماني، إلا أنه بعد الاحتلال البريطاني اشترى اليهود أراضي أصبحت أساسا للكيان الصهيوني، وقال “أوزفاتورة” -في مقاله التحذيري- أن أراضي الدولة الدينية للروم الأرثوذكسية، ستكون المنطقة التاريخية فيما بين أسوار اسطنبول التي يرقد تحت ثراها السلاطين العثمانيون وآلاف الشهداء والعلماء والأولياء، وتضم آيا صوفيا والمقدسات الأخرى والأراضي التي في أيدي المسلمين، ويسلمون بقدسيتها وهو ما يعني اعتداء على حرمات الأمة.
وتعتمد بطريركية الفنار سياسة الخطوة خطوة في عملية الشراء حتى تصل إلى آیا صوفیا، خاصة وأن المساحة ليست مهمة لإعلان الدولة، فكل دولة تحتاج إلى أرض وسكان ولدى البطريركية حاليا الأرض وألفين من الروم الأرثوذكس، معظمهم العجائز، بعد أن كان عددهم عام 1950م مئات الآلاف، هاجر معظمهم إلى الولايات المتحدة، ويخدم هذا العدد 46 مدرسة حيث تضم كل مدرسة أفرادا يعدّون على أصابع اليد الواحدة من التلاميذ، فإذا كانت “موناکو” دولة رسمية وعدد سكانها 1500 نسمة، فإن الأمر ليس صعبا بالنسبة للبطريركية.
القمة الأورثوذكسية
وفي إطار تحقيق ذلك الحلم عقد في كنيسة “الفنار” في الفترة من 7إلى 9 فبراير1993م قمة أرثوذكسية تستهدف توحيد الكنائس الأرثوذكسية في العالم تحت لواء كنيسة “الفنار”، ودعم التحركات السياسية لروسيا، التي تستهدف إقامة المحور الأرثوذكسي الجديد كبديل لحلف وارسو ليصبح من قوى النظام العالمي الجديد، وهو الأمر الذي باركه الأسقف “بارتيليموس” أثناء زيارته لموسكو في تموز الماضي.
شارك في تلك القمة “جوهانز ياکوفارس” كبير أساقفة الولايات المتحدة وكندا، و”سراقییم” رئیس أساقفة اليونان، و”بارثاينوس” بطريرك الإسكندرية واتفقوا على تحقيق وحدة الكنائس الأرثوذكسية، وتشكيل قوة ضغط سياسية وعسكرية قادرة على حماية الأرثوذكس في العالم ومحاصرة الصحوة الإسلامية؛ وتم عزل 3 قساوسة من المتمردين على سلطة كنيسة “الفنار”، وهم من بطريركية القدس، وتهديد “ديدورو” أسقف القدس بعزله كنسيا لمحاولاته الانفصال عن كنيسة “الفنار”، والتحرك المنفرد، ومحاولة منافسة بطريرك “الفنار” الأب الروحي للأرثوذكس.
وأعلن “سلجوق أرانه رول” من البطريركية الأرثوذكسية التركية في تصريحات صحفية أن هدف القساوسة الروم من تلك القمة محاولة إظهار القوة، وتوحيد جهودهم لاستعادة آيا صوفيا، وتحويله إلى كنيسة، والقيام بشراء المناطق المحيطة بآيا صوفيا وكنيسة “الفنار”، وإعادة افتتاح مدرسة الرهبان التي كان يعيش فيها القساوسة في “هايباليادة” قبل 400 سنة، وقرع أجراس آیا صوفیا 500 مرة عند استعادته.
وطالب “سلجوق” الحكومة التركية بمساءلة 5 مطارنة، شاركوا في القمة وهم مطارنة أنقرة، طرابزين، نیغدا، قيصري، ماتشکه، وذلك لعدم وجود روم أرثوذكس في مناطقهم.
ولم يخف “جوهانز ياکوفارس” كبير أساقفة الولايات المتحدة وكندا أهداف القمة، حيث قال: «إذا قامت الكنيسة بواجبها سیتأسس تحالف قوي للأرثوذكس خلال 3 سنوات وسيضم الأرثوذكس الأرمن والجورجيين والرومان والصرب والأوكرانيين والألبان واليونانيين.
وقال حول الضغوط اليونانية على بطريرك القدس، أنها تأتي في إطار رفضها لفكرة انتقال مركز الأرثوذكس الروحي إلى القدس، لأنه يعني التنازل عن ميراثها السياسي في إسطنبول.
ويؤكد الكاتب الصحفي “أي تونش الطيند” وذلك في ندوة البطريركية والتحالف الأرثوذكسي، والتي عقدت برعاية وقف الوحدة بشعبة اسطنبول يوم 17 أبريل 1994م إن الإعلان الصادر عن القمة الأرثوذكسية المشار إليها لم يتضمن متنه التركي توصيفا لأسقف “الفنار” كرئيس دولة إلا أنه وجد تعبيرا مساويا لرئيس الدولة في المتن الإنجليزي!!
وفي رمضان الماضي (1414هـ/1994م) عُقد في اسطنبول مؤتمر تحت اسم “السماحة والسلام” برعاية الشؤون الدينية التركية وحضر البطريرك “بارثولوميس” بصفته الزعيم الروحي لأكثر من ألفين من رجال الدين الروم الأرثوذكس، ووقع باسم 260 ملیون أرثوذكسي في ألفيْ مكان على بيان المؤتمر، وبذلك يكون قد انتهك رسميا معاهدة لوزان -على حد وصف “مصطفی نجاتي أوزفاتورة” في المقال الذي أشرنا إليه سابقا.
التحرك الدولي
كانت الولايات المتحدة وكندا واستراليا قد وقعوا على مذكرة رسمية، تحت ضغوط أسقف “الفنار” قدمت إلى الحكومة التركية في العام الماضي، ولم تنف أنقرة رسميا ذلك، يطالبونها فيها بتحقيق الطلب الأرثوذكسي الخاص بإعادة آيا صوفيا والمناطق المحيطة به، وإقامة فاتيكان أرثوذكسي؛ كما أرسلت الحكومة اليونانية يوم 08 یولیوز 1993م، مذكرة للحكومة التركية تطالب فيها بترمیم آیا صوفيا التي وصفتها المذكرة بالمهملة وعرضت استعدادها للقيام بتحمل كافة النفقات.
وأثناء زيارة “بوريس يلتسين” الرئيس الروسي لليونان العام الماضي، تم توقيع معاهدة من 12 مادة ولم يتم توضيح ماهية المعاهدة، إلا أن “سلجوق أرانه رول” وکیل بطريرك الأتراك الأرثوذكسي أشار إلى أن المادة العاشرة مرتبطة بإقامة “الفاتيكان الثاني” في اسطنبول، وطبقا لهذه المادة ستكون “آیا صوفیا” مركزا لدولة الروم الأرثوذكس في إطار المشروع الأرثوذكسي بإقامة دولة داخل الدولة في اسطنبول.
وحضر أسقف كنيسة “الفنار” اجتماعات المجلس الأوروبي في 20 أبريل 1994م ليس بصفته رجل دين ولكن كبطريرك للعالم الأرثوذكسي بصفة رئيس دولة وإن كان “دميتري بارتيليميوس” أسقف بطريركية “الفنار” والذي كان قد زار صربيا مرتين قد نفى في تصريحات بمطار اسطنبول يوم 18 أبريل 1994م قبل سفره إلى “ستراسبورج” أنه سيحضر المؤتمر كرئيس دولة، وقال إن هذه الأنباء عارية من الصحة، وأنه سيحضر كرجل دين، مؤكدا أنه يعمل في إطار احترامه للدستور التركي، إلا أن المعلومات الأولية تشير إلى أنه تم مناقشة موضوع إقامة الفاتيكان الأرثوذكسي وسرعة تحقيق ذلك، خاصة وأن الظروف الدولية مواتية حاليا، ووعدته ألمانيا واليونان بأنه ستكون إحدى شروط دخول تركيا الاتحاد الأوروبي الموافقة على ذلك، وأنقرة لم تبد رفضا حتى الآن وإن كانت تؤجل التنفيذ لظروفها الداخلية.
الضغوط الأمريكية
والرئيس الأمريكي “بيل كلينتون” لم يخف موقفه من تلك المؤامرة بل أكد ضلوعه فيها، ففي حديثه أمام اللوبي اليوناني أثناء حملته الانتخابية في العام الماضي، قال إنه يجب بذل جهود خاصة من أجل حرية أداء كنيسة “الفنار” لرسالتها.
وفي الرسالة التي بعث بها كلينتون للسيدة “تانسو تشيللر” قبل الانتخابات المحلية بعدة ايام والتي أجريت في 11 مارس الماضي (1994) وكانت تتضمن 5 صفحات تناولت إحدى الفقرات الموضوع، حيث قال إنه يأمل أن تتعاون تركيا وتبدي حسن نينها في موضوع كنيسة “الفنار” وضرورة تحويلها إلى فاتيكان.
وفي مقالة له تحت عنوان “کلینتون ماذا أخذ وماذا أعطى لتشيللر” کتب “علي رضا قره دور” في صحيفة صباح يوم 19 أبريل 1994م وهو علماني، قائلا بأن “كلينتون” طالبها بإعطاء شخصية الدولة لبطريركية “الفنار” مثل الفاتيكان، حيث أنه يجب على حكومتكم اتخاذ بعض الخطوات الرمزية لتضييق الفجوة في العلاقات مع اليونان، ولتكن خطوة الاعتراف بشخصية مستقلة “للفنار” إحدى تلك الخطوات.
إلا أن السيدة “تانسو تشيللر” وفقا لجريدة حریت 24 أبريل 1994م أكدت لكلينتون صعوبة تحقيق هذا الطلب الحساس، خاصة بعد نتائج الانتخابات المحلية، وذلك دون أن ترفض ذلك الطلب الخطير!!
مؤامرة “الفنار” في ألبانيا
ولا يقتصر نشاط بطريركية “الفنار” على التآمر على تركيا فقط، بل تمتد مخالبها الى مناطق إسلامية أخرى، ففي يونيو الماضي 1993م أرسلت “كنيسة الفنار” قسيسا يونانيا إلى ألبانيا حيث قام بتوزيع خرائط على سكان جنوب ألبانيا التي تقطنها أقلية يونانية أرثوذكسية، وتشير الخرائط إلى أن هذه المنطقة جزء من الأراضي اليونانية، مما أدى إلى قيام ألبانیا بطرد القسيس اليوناني، الأمر الذي آثار توترا سياسيا بين البلدين، قامت أثينا على إثره بطرد أكثر من عشرة آلاف ألباني في 3 أيام فقط.
إعادة آيا صوفيا للعبادة
وفي مواجهة تلك الضغوط قررت الحكومة تحريك مشروع اقتراح للمناقشة، كان قد تقدم به “أرتكين دوروتورك” نائب الطريق القويم من اسبرطة، والقريب من جماعة يني نسل النورسية الإسلامية منذ سنتين لإعادة فتح آيا صوفيا للعبادة من جديد، وكذلك قراءة القرآن 24 ساعة يوميا، في غرفة الأمانات المقدسة في قصر طوب قابي؛ حيث وافق 153 نائبا في مواجهة رفض 86 على وضع الاقتراح على جدول المناقشة في مجلس الشعب، وهو الأمر الذي أدى إلى أزمة حكومية، حيث يرفض الحزب الاجتماعي الشريك الأصغر في الحكومة مناقشة ذلك، ووصف زعماء الحزب هذا التحرك بأنه يدخل في إطار الفعاليات المعارضة للعلمانية، وأنهم سيخرجون لمواجهتها!! وقال وزراء الاجتماعي “لتشيللر” أثناء اجتماع مجلس الوزراء، أن مناقشة تلك الاقتراح سيسبب مشاكل عند ذهابك إلى الولايات المتحدة.
وقال رئيس المجموعة البرلمانية للطريق القويم “طوران طابان” أن إخواننا في الحزب وضعونا في موقف اضطرار، بينما قال “أسعد قيراط أوغلي” أمين التنظيم في “الطريق القويم” أنه سيتم بحث الموضوع ثانية في الحزب، وذلك في محاولة لامتصاص غضب الاجتماعي.
بينما دعم نواب “الرفاه”، و”الوطن الأم” الاقتراح، وقال “دوروتورك” في كلمته أمام مجلس الشعب التركي، أن إعادة فتح آیا صوفیا للعبادة لن تبعث السرور فقط في العالم الإسلامي، بل وفي العالم الصليبي أیضا.
ويؤكد “الطان سونجورلو” وزير العدل التركي السابق أن وضع آيا صوفيا الحالي لا يستند إلى أي قانون، ووصف القرار الخاص بذلك بأنه سياسي.
وجدير بالذكر أن قرار مجلس الوزراء التركي الصادر في 24 أكتوبر 1934م، لا ينص على تحويل المسجد إلى متحف، ولكنه اعتبره رمزا، وليس في القرار سلطة تحويله إلى متحف، خاصة وأن الدستور آنذاك لم يوضح وظائف مجلس الوزراء.
وكان الامبراطور البيزنطي قسطنطين قد أقام آیا صوفيا ككنسية عام 532م حتى اشتراها السلطان محمد الفاتح بماله الخاص، وأوقفها كمسجد للمسلمين اعتبارا من 1453م وظلت تقام فيه الصلاة حتى 24 أکتوبر 1934م، بل استمر آیا صوفیا کمسجد زمن الاحتلال والذي انتهى عام 1934م.
وعندما أحضر “عصمت إینونو” خليفة کمال أتاتورك خبراء لترميم آيا صوفيا، حيث تم ذلك تحت رعاية المديرية العامة للأوقاف، تمَّ تحويل مظهر المسجد إلى مظهر الكنيسة ثانية.
وظل الأمر هكذا حتى يوم 05 غشت 1980م، عندما تم إعادة فتع مسجد عبد المجيد للعبادة وهو ملاصق لآیا صوفيا في ذكرى ليلة القدر فتم إعلان الأذان من على مآذن آیا صوفيا الأربع؛ وهو الأمر الذي أبرزته الصحف، واستقبله الشعب بترحاب كبير، إلا أن العبادة في “هونكر محفلي” بمسجد عبد المجيد توقفت ثانية في 12 شتنبر 1980م، وأعيدت مرة أخرى أثناء حكم “تورغوت أوزال”.
رد الفعل اليوناني
وأبدى المسؤولون اليونانيون ردود فعل معارضة لمناقشة اقتراح إعادة آيا صوفيا للعبادة من جديد، مما يؤكد أن آيا صوفيا هي هدفهم الرئيسي، وليس إقامة فاتيكان أرثوذكسي في كنيسة الفنار فقط.
فقال الوزير “ستالیوس بابا تاماليس” إن آیا صوفیا تعود إلى العالم الأرثوذكسي ويجب على تركيا تسليمها لبطريركية “الفنار” منبها الغرب المسيحي بضرورة الاستيقاظ، وألا يسمح ببقاء آیا صوفيا وكنيسة “الفنار” داخل دولة تكن العداء لدين غيرها.
وأبدى “بائیس حاجي فوتيس”، المتحدث باسم الكنائس اليونانية، عدم ارتياحه من مناقشة ذلك داخل مجلس الشعب التركي، مشيرا إلى أن استخدام آیا صوفیا کمتحف يحقق إمكانية أن يظل ذلك الأثر محل المتابعة والاهتمام، وأن انفجار التعصب والعداء الموجه للأديان الأخرى في تركيا لن يساعد على خلق الأجواء المناسبة لتطوير العلاقات التركية-اليونانية.
ووصف “افانجبلیوس فانیزيليوس” المتحدث باسم الحكومة اليونانية الخطوة التركية بأنها تتعارض مع محاولات تركيا لإثبات صلتها بالثقافة الأوروبية.
وأعلن “سرقييم” أسقف كنيسة أثينا بأنه سيرسل خطابات إلى زعماء الدول الأرثوذكسية والمنظمات الكنسية العالمية وللأمم المتحدة يشكو فيها التحركات التركية لإعادة آيا صوفيا للعبادة الإسلامية مؤكدا بأنها مركز الأرثوذكسية.
وهذه العينة من التصريحات وفق القوانين المتعارف عليها، تعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية التركية أولا، وتأكيدا لما ذهبنا إليه من أن المؤامرة الأرثوذكسية تستهدف آيا صوفيا ثانيا، لتكون الضلع الثاني في الحلم الأرثوذكسي الذي سيقام على قاعدة اسطنبول، حيث لا تخفي منظمة الشفق الذهبي العنصرية اليونانية حلمها بعودة اسطنبول فورا إلى اليونان، باعتبارها كانت عاصمة للإمبرطورية البيزنطية وأنها أرض يونانية ويطلقون عليها اسم القسطنطينية.
ويعتقد العديد من الكتاب والمفكرين الأتراك من ذوي الاتجاه الإسلامي وعلى رأسهم “مصطفی نجاتي أوزفاتورة” أن الحملة الصليبية الخامسة عشر ضد العالم التركي والإسلامي قد بدأت حيث تحالف الاتحاد الأوروبي مع روسيا والولايات المتحدة ومع اتحاد الكنائس المسيحية، وتستهدف تلك الحملة محو الوجود الإسلامي وكافة الآثار العثمانية في البلقان باستخدام اليونانيين والصرب والكروات، وكذلك إخضاع شمال وجنوب القوقاز من جديد لسيطرة روسيا الاتحادية التي تتلقى الأوامر من الغرب وتقتل المسلمين في القوقاز، وأيضا لجورجيا وأرمينيا، والهدف الثالث هو إقامة دولة ارثوذكسي -على غرار الفاتيكان- في إسطنبول، تضم بطريركية “فنار الروم” والمناطق البيزنطية داخل أسوار اسطنبول وعلى رأسها آیا صوفيا.
يتم كل ذلك وبشكل علني سواء في تصريحات الساسة أو في مذكراتهم أو بالنشر على صفحات الصحف والعالم الإسلامي يغط في سبات عميق، وماذا يستطيع أن يفعل والبوسنة تذبح أمام أعين زعمائه، وفلسطين ما زالت تئن تحت نیر الاحتلال الصهيوني، والمسلمون يذبحون في کشمیر وطاجيكستان وأذربيجان وفي غيرها، فهل يمكن أن يكون هناك أمل في تحركهم لإنقاذ عاصمة الخلافة العثمانية من المؤامرة الصليبية الجديدة في ظل هذه الأوضاع المزرية؟
بالطبع الأمل موجود في ظل الصحوة الإسلامية الحالية (1994م) سواء في تركيا أو في العالم الإسلامي، وهو ما تفطنت إليه الحكومة التركية، ولذلك ما زالت تقاوم خشية أن يؤدي أي تنازل من جانبها إلى التهاب المشاعر الدينية، وسقوط النظام العلماني خاصة في ظل نجاح حزب الرفاه الإسلامي والذي يضع إعادة فتح آیا صوفیا للعبادة في مقدمة أولوياته.