التعليم بالتعاقد.. بين المطلب الاجتماعي وجودة الدرس عبد الصمد إيشن

 

يثير ملف التعاقد في قطاع التربية الوطنية أو ما يسمى بـ “أطر الأكاديميات” نقاشا وسجالا حادا في الساحة التعليمية والسياسية، بسبب “هشاشة” الضمانات المقدمة من طرف الوزارة الوصية للأستاذ المتعاقد ما يسبب له تذبذبا في أمنه الوظيفي، الأمر الذي ينعكس على جودة التعليم بصفة عامة.

وفي هذا الصدد يقول وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، إنه سيتم إلغاء الأنظمة الأساسية الجهوية الإثني عشر التي تحكم الأطر النظامية للأكاديميات واستبدالها بنظام أساسي واحد تضمنه الدولة من خلال اعتماد مرسوم، وأن هذا النظام سيضمن نفس الحقوق ونفس الفرص ونفس المسار الوظيفي كباقي الموظفين، مع الاستمرار في التوظيف الجهوي من أجل ضمان خدمة تعليمية، وعملية ترسيم الأطر النظامية للأكاديميات، ضمن هذا النظام الأساسي الموحد، ستمنحهم الحق في تعويض بمفعول تاريخ التوظيف، وستسمح لهم بالاستفادة من جميع مزايا النظام الأساسي، بما في ذلك الحق في المشاركة في كل الامتحانات المهنية وفي الحركة الانتقالية الوطنية.

لكن في مقابل تصريح الوزير، يصرّح أستاذ متعاقد، معارضاً إيّاه: “نقطة الخلاف بيننا، تنطلق من قانون المالية، الذي يفضح الوزارة كل سنة. قانون المالية لسنة 2023، يؤكد مرة أخرى بأن فئة المفروض عليهم التعاقد ليست لهم مناصب مالية قارة وممركزة، وليست لهم مناصب مالية في الأصل، بل يتلقون أجورهم من خلال النفقات التدبيرية الموجهة للأكاديميات على شكل اعتمادات مالية مؤقتة، وهي ذات، النفقات المخصصة للمعدات والسبورات والطاولات… الخ. وبالتالي؛ جوهر مخطط التعاقد لازال قائما رغم تغيير مسمياته المتعددة: “التوظيف الجهوي”، أو “الأطر النظامية للأكاديميات”.

لابد إذا ما أردنا ترك هذا السجال القانوني، فإن الأفكار التي أعتقدها بخصوص قضية أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تتمثل فيما يلي:

إن هذا الملف هو ضحية ما يمكن أن نسميه بـ”خطيئة النشأة”، كما أكد الدكتور المتخصص في القانون العام، محمد اشنيفخ، والتي حاولت الدولة التكفير عنها باستبعاد التعاقد، وهو ما عكس ارتباكا رسميا واضحا تساؤل عنه الحكومة أولا وأخيرا، فبدايات فصول هذه الأزمة تعود إلى سنة 2016 مع صدور المقرر المشترك لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني ووزير الاقتصاد والمالية رقم 7259 بتاريخ 7 أكتوبر 2016 في شأن وضعية الأساتذة المتعاقدين مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والذي أقر التوظيف عن طريق التعاقد على مستوى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وهي خطوة وجدت مرجعيتها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي أوصى بتنويع أوضاع المدرسين، بما في ذلك اللجوء إلى التعاقد على مدد زمنية تدريجية قابلة للتجديد، على صعيد المؤسسات والأقاليم والجهات…، وتروم تحقيق أهداف تتعلق بتقليص كتلة الأجور التي تشكل الميزانية المخصصة لأطر قطاع التربية الوطنية جزء مهما منها، من خلال تحفيز الأكاديميات على تعزيز حصة مواردها من الخدمات التي تقدمها، إضافة إلى التخلص من إكراهات التوظيف النظامي الذي يتم في إطار ظهير 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية والنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية الصادر في 10 فبراير 2003.

إذا كانت الحكومة تدافع عن إبقائها على هذه الأنظمة الأساسية الخاصة بأطر الأكاديميات الجهوية، من باب حرصها على إبقاء الحركية على المستوى الجهوي، الذي يمكن من تغطية الخصاص الحاصل في المناطق النائية والبعيدة على مستوى كل جهة، فإنني أعتقد أن هذا الأفق المحدود الذي كرست له هذه الأنظمة الأساسية يعد بالمقابل أكبر نقائصها، وسيمهد لجعل الأكاديميات جزرا مستقلة عن بعضها البعض ثم عزلها عن بقية الإدارات العمومية الأخرى، في ضوء الصعوبات التي تطرحها مسألة تبادل المناصب المالية. فالحركية ليست مجرد آلية لخدمة الإدارة بل أيضا وسيلة لتحفيز الموارد البشرية، ولا يتوقف الإشكال عند الحركية الجغرافية بل يمتد كذلك للحركية الوظيفية ما دام هؤلاء الأطر لن يكون بمقدورهم تغيير هيئاتهم وأطرهم الأصلية كما هو الأمر بالنسبة لكافة موظفي الدولة، وهو أمر واضح في ضوء عدم تنصيص تلك الأنظمة الأساسية على وضعية الإلحاق، وكذا الوضع رهن الإشارة. لذا نعتقد أن إعادة برمجة المناصب المالية لهؤلاء على مستوى الميزانية العامة للدولة كفيل وحده بحل هذا المشكل، خاصة وأن إشكالية تدبير الخصاص يرتبط أساسا يتطوير منظومة تدبير الموارد البشرية والاستفادة مما تتيحه تكنولوجيا المعلومات والاتصال في هذا الشأن، وهي أمور لا زالت تنتظر جهدا كبيرا لتنزيلها على أرض الواقع، وتعد من النقائص التي توجه بخصوصصها انتقادات كبيرة للإدارة المغربية.

قد يؤاخذ الكثيرون على أطر أكاديميات التربية والتكوين مبالغتهم في التباكي على وضعيتهم المهنية التي يصفونها بالهشة، كون الآلاف غيرهم من موظفي مؤسسات عمومية سواء أكانت إدارية أو ذات طابع صناعي وتجاري يخضعون بدورهم لأنظمة أساسية خاصة، بل وفي أحيان كثيرة بضمانات أقل، إلا أنني أعتقد أن الأمر مختلف في حالة ملف أطر الأكاديميات الجهوية، كون مراعاة الوضعية الاعتبارية لرجال التعليم تشكل إحدى ركائز بناء أي سياسة تعليمية ناجحة، وهو ما لم تأخذه الحكومة بعين الاعتبار، فالمقارنات والتصورات التي ترتبت عن تعايش فئتين من الأطر المزاولين لنفس المهام داخل نفس المؤسسات التعليمية، كان لها التأثير السلبي البالغ على نفسية هؤلاء، وزادت من تأزيم واقع ما عاد فيه الجسم التعليمي يحظى بنفس المكانة التي طالما حظي بها وكانت مصدر فخر واعتزاز له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *