يرى البعض أن نظرتي الشريعة وتوصيات الأمم المتحدة في قضية المرأة نظرتان متكاملتان متفقتان!
وهو رأي لا ينسجم مع الواقع والمنطق؛ فجميع قضايا المرأة التي نوقشت في مؤتمرات المرأة الدولية البارزة لم يكن للدين فيها ذكر، وإنما دينهم الذي يستندون إليه في حل مشاكل المرأة، والمطالبة بحقوقها -من وجهة نظرهم- هو دستور هيئة الأمم المتحدة وميثاقها -الذي أبرم في سان فرانسيسكو بتاريخ (16/7/1364هـ-26/6/1945م)، وما تبعه من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان -الذي أعلن في عام (1367هـ 1948م)( 1)، واتفاقية القضـاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة(2) -التي اعتمدت في عام (1399هـ -1979م)، واعتبرت الأساس الذي اعتمدت عليه الأمم المتحدة في مؤتمرات المرأة اللاحقة.
بل إنها تنص في اتفاقاتها وصكوكها التي تصدرها، وإجراءاتها التي تنادي بها، على إبعاد الدين باعتباره شكلاً من أشكال التمييز ضد المرأة!
فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان -مثلاً- ينص في مادته الثانية( 3) على أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دون أي تمييز من أي نوع -لا سيما التمييز بسبب الجنس أو الدين-.
وقال في موطن آخر:”إن هذه الإنسانية (أي: التي تدعو إليها الأمم المتحدة)؛ تقوم على عدم الاعتراف بالأديان والعقائد، بل تسعى لتحطيمها؛ فالمذهب الإنساني العالمي يسعى لجمع الناس على إنسانيتهم، ونبذ كل الأديان والشرائع -سماوية كانت أو وضعية-.
فهو إذن “مذهب يرتكز على الإنسان خاصة، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بحرية الفكر، ورفع القيود التي تحد من إنسانيته، وأن الإنسان هو مقياس الأشياء!!
وجاء في البيان الافتتاحي الذي ألقاه الأمين العام -السابق- للأمم المتحدة بطرس غالي، في ذلك المؤتمر:
“إن حقوق الإنسان -التي ننادي بها ونسعى إلى تأمينها- لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تعالينا على ذاتنا، وبذلنا جهداً واعياً للوصول إلى جوهرنا المشترك، الذي يتجاوز انقساماتنا الظاهرة، وخلافاتنا العابرة، والحواجز العقائدية والثقافية التي تفصل بيننا.
ثم يقول -أيضاً- في موضع آخر:
“ولا شك في أن ضرورة العالمية ستكون واضحة طوال مناقشاتنا، فكيف يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك؟ فالعالمية صفة متأصلة في حقوق الإنسان. والميثاق قاطع في هذا الشأن، فالمادة (55) تقرر أن تعمل الأمم المتحدة على: أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس، أو اللغة، أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً”.
وأمثال هذه التصريحات لكبار مسيري الأمم المتحدة كثيرة، فهل يصح مع هذا أن نقول بأن للإسلام حضوره في هذا التوجه؟!
وكيف يصح هذا الادعاء -أيضا-، مع مناقضة توصيات هذه المؤتمرات لأصول الإسلام، وكثير من أحكامه؟!
لقد صدر بشأن مؤتمر بكين الذي اعتبر امتدادا لمؤتمر السكان والتنمية المنعقد في القاهرة في شهر ربيع الثاني عام 1415هـ قرارا لهيئة كبار العلماء، وقرارا للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وقد تضمن القراران إدانة المؤتمر المذكور بأنه مناقض لدين الإسلام ومحادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، لما فيه من نشر للإباحية وهتك للحرمات وتحويل المجتمعات إلى قطعان بهيمية وأنه تتعين مقاطعته.
وصرح أحد العلماء الذين شاركوا في اتخاذ القرارين أن مؤتمر “بكين” قد أتى في نفس المسار والطريق الذي سار عليه مؤتمر السكان والتنمية متضمنا التركيز على مساواة المرأة بالرجل، والقضاء على جميع أشكال التمييز بين الرجل والمرأة في كل شيء، وقد تبنت مسودة الوثيقة المقدمة للمؤتمر من الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة على مبادئ تدعو إلى إلغاء أي قوانين تميز بين الرجل والمرأة على أساس الدين، والدعوة إلى الإباحية باسم الممارسة الجنسية المأمونة، وتكوين الأسرة عن طريق الأفراد، ومكافحة التمييز بين الرجل والمرأة ودعوة الشباب والشابات إلى تحطيم هذه الفوارق القائمة على أساس الدين؛ وأن الدين عائق دون المساواة…
إلى آخر ما تضمنته الوثيقة من توصيات مخالفة للدين الإسلامي ومناقضة لشريعته، تروم سلخ المسلمين والبشرية جمعاء من العفة والحياء والكرامة.
وبما تقدم نجزم بأن نظرية التكامل بين شريعة الإسلام وتوصيات الأمم المتحدة في قضية المرأة نظرية لا أساس لها من الصحة؛ وأن النسبة بين المرجعيتين هي أقرب إلى التناقض والتصادم منها إلى التآلف والتكامل..
ومجمل ذلك؛ أن الإسلام يدعو المرأة إلى توحيد الله والانقياد لشرعه؛ وأولئك يدعونها إلى الإلحاد والتمرد على الله ورفض شرعه.
والإسلام يدعو إلى المساواة التكاملية بين الرجل والمرأة؛ وهم يدعون إلى المساواة التماثلية بينهما.( 4)
والإسلام يدعو المرأة إلى الحشمة والستر والفضيلة؛ وهم يدعونها إلى التبرج والعري والرذيلة.
والإسلام يدعو إلى بناء الأسرة على المودة والتراحم والتكامل؛ والقوم يدعون إلى بنائها على التربص والكيد والتنافس..
نقلا عن كتاب: (منزلة المرأة في الإسلام وكشف الشبهات) بتصرف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) اعتمد هذا الإعلان ونشر بقرار الجمعية العامة رقم (217) ألف (د-3)، المؤرخ في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948م. انظر: ‘حقوق الإنسان في الإسلام’/ محمد الزحيلي ص393، وحقوق الإنسان/ محمود بسيوني وآخرون (ج1/ص17).
(2]) اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها (34/180) المؤرخ في 18 كانون الأول/ديسمبر 1979م. وتاريخ بدء النفاذ 3 أيلول سبتمبر 1981م (طبقاً لأحكام المادة 27 من هذه الاتفاقية).
([3]) انظر: ‘حقوق الإنسان في الإسلام’ لمحمد الزحيلي (ص: 393)، و’حقوق الإنسان’ لمحمود بسيوني (1/17).
([4]) يعتقد كثير من الناس أن المساواة رديفة للعدل، وهذا خطأ؛ فقد تكون المساواة ظلما.