لم يبدأ الحديث والاهتمام بالمسيحيين والمسيحية في المغرب، إلا في القرن التاسع عشر، حين تحول المغرب لساحة صراع بين القوى الاستعمارية الطامعة في خيراته وموقعه الاستراتيجي، فقد ظهرت في مدينة الصويرة بعض المحاولات التنصيرية الأولى بين عامي 1839 و1847م، وارتكزت على العمل التطوعي وتوزيع الأناجيل على السكان المغاربة؛ ما اضطر السلطان إلى إصدار قرار بالطرد خارج المغرب في حق بعض المنصرين الإنجيليين النشطين بالمدينة.
وابتداء من سنة 1856 بدأت القوى الاستعمارية الأوروبية في الضغط على سلاطين المملكة المغربية من أجل حماية الرعايا الأوروبيين المسيحيين الجدد وتخصيصهم بمعاملات تفضيلية مقارنة مع المواطنين المغاربة، وتنافست الكنيستان الكاثوليكيتان الفرنسية والإسبانية على التخطيط حول من يكون له الحق في تنصير المغرب.
لم يكن عدد الأوروبيين المقيمين بالمغرب يتجاوز عند نهاية القرن التاسع عشر حوالي 250 مقيمًا، معظمهم في مدينة طنجة، لكن أعدادهم بدأت في الازدياد بشكلٍ متسارع؛ لتصل إلى 10 آلاف مقيم مع تمام سنة 1910، هذا دون احتساب سكان مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين منذ القرن السادس عشر.
ورأى المغاربة في الكنائس المسيحية، وسيلة من وسائل الغزو والاستعمار، وذلك ما سوف يتأكد في فترة الحماية، قبيلها وبعيدها، فحين شعرالحاكم العسكري الفرنسي بالمغرب، بأن الكنيسة الإسبانية تحولت إلى طليعة السياسة الاستعمارية الإسبانية بالمغرب، قام باستقدام قساوسة فرنسيين لقطع الطريق على إسبانيا، فدخل «فوج الوعاظ العسكريين المتطوعين» في فبراير 1908، وتبعته أفواج أخرى تضمنت أيضا مجموعة من الراهبات.
سنة 1927 تم إقرار الشروع في التنصير بشكل علني، بعد أن عين على رأس القيادة النصرانية القس «هنري فييل»، بعدما حققت هذه المجهودات نتائج اعتبروها مشجعة إلى حد ما في منطقة «القبايل» الجزائرية؛ ما حمسهم على تكرار المحاولة في المغرب.
استخدمت الكنيسة الفرنسية كل الوسائل الممكنة للتغلغل في أوساط المغاربة، وعمد أسقف المغرب إلى تأسيس مركز للدراسات والأبحاث يسهل معرفة المغاربة في أفق تنصيرهم، خاصة الأمازيغ، فاستهدفت خطة التنصير مناطق جبال الأطلس، وجعلت من مدينة «ميدلت» نقطة ارتكاز وقاعدة لانطلاق قوافل التنصير.
تحالفت السلطات السياسية في هذا السبيل مع السلطات الكنسية، وكان أهم شيء حرصت عليه السلطتان معًا هو قطع الصلة بين أمازيغ المغرب واللغة العربية لقطع الرابط بينهم وبين الدين الإسلامي، فأصدرت ما عرف تاريخيًا بـ«الظهير البربري» الذي حاول تنظيم العلاقة مع الأمازيغ بعيدًا عن المحيط العربي الإسلامي.
ولكن كل هذه المجهودات فشلت في تحقيق نتيجةٍ تذكر، بل إنها عجزت عن تعميد مغربي واحد وتحويله إلى المسيحية، بعدما قاوم الأمازيغ مثلهم مثل باقي المغاربة المد الاستعماري، ومحاولات التغلغل الكنسي الفرنسي.
وفي عام 1938 اضطر أسقف المغرب للاعتراف في رسالة مكتوبة مرفوعة إلى البابا بأن النتيجة بعد عدة عقود لم تتجاوز الصفر، بالرغم من كل المجهودات المبذولة وقوافل التنصير التي لم تتوقف.
من جهة أخرى، شعرت الحركة الوطنية المغربية بخطورة العمل التنصيري، فأشعلت فتيل ضجة كبيرة، وردت على أعمال التنصير بأعمال مضادة منها كرفع مذكرات إلى السلطات الاستعمارية للمطالبة بإيقاف النشاط التنصيري، وتوزيع المصاحف بين المغاربة الذين تركز عليهم حملات التبشير، وإنشاء جمعية للدفاع عن القرآن الكريم، والقراءة الجماعية للقرآن في عموم المساجد.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية واقتراب حصول المغرب على استقلاله، ركزت الكنيسة بالمغرب على حفظ تدين الفرنسيين وعموم الأوروبيين، بدلا من السعي إلى تنصير المغاربة، وتحولت بموجب ذلك من موقف التبشير، إلى موقف الحوار والتعاون، وظل هذا الموقف هو السائد إلى غاية الإعلان عن استقلال المغرب سنة 1956م.