شروط الانتفاع بكلمة الإخلاص

إن انتفاع قائل هذه الكلمة بها لا يتم إلا إذا توفرت فيه سبعة شروط:

قال في المعارج:
“الأول: العلم بمعناها المراد منها نفيا وإثباتا، المنافي للجهل بذلك؛ قال الله عز وجل: {فاعلم إنه لا إله إلا الله}[محمد 91] وقال تعالى: {إلا من شهد بالحق}[الزخرف 68] أي بلا إله إلا الله {وهم يعلمون} بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم.
وفي الصحيح عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة”.
والثاني: اليقين المنافي للشك بأن يكون قائلها مستيقنا بمدلول هذه الكلمة يقينا جازما؛ فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن فكيف إذا دخله الشك؟ قال الله عز وجل: {إنما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا في سبيل الله} إلى قوله {أولئك هم الصادقون}[الحجرات 3] فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا، فأما المرتاب فهو من المنافقين والعياذ بالله الذين قال الله تعالى فيهم: {إنما يستأذنكم الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون}[التوبة 54] وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: “أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة”.
فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.
والثالث: القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه؛ وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء من قبلها وانتقامه ممن ردها وأباها كما قال تعالى: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين}[الزخرف 32 52]
وكذلك أخبرنا بما وعد به القابلين لها من الثواب وما أعده لمن ردها من العذاب؛ كما قال تعالى {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسئولون} إلى قوله: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله ألا الله يستكبرون ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون}[الصافات 35-36].
فجعل الله تعالى علة تعذيبهم وسببه هو استكبارهم عن قول لا إلا إله الله، تكذيبها وتكذيبهم من جاء بها فلم ينفوا ما نفته ولم يثبتوا ما أثبتته بل قالوا إنكارا واستكبارا {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق} [ص 5-7].
وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا؛ فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير؛ وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا؛ وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ؛ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به”.
والرابع: الانقياد لما دلت عليه المنافي لترك ذلك؛ قال الله عز وجل {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له} [الزمر:45]؛ وقال تعالى {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن} [النساء 521].
ومن يسلم وجهه أي ينقاد وهو محسن موحد ومن لم يسلم وجهه إلى الله ولم يك محسنا فإنه لم يستمسك بالعروة الوثقى.
وفي حديث صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به”(1) هذا هو تمام الانقياد وغايته.
والخامس: الصدق فيها المنافي للكذب وهو أن يقولها صدقا من قلبه يواطئ قلبه لسانه؛ قال الله عز وجل: {ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} [العنكبوت 1-3] إلى آخر الآية وقال تعالى في شأن المنافقين الذين قالوها كذبا {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} [البقرة 8 11].
وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار” فاشترط في إنجاء من قال هذه الكلمة من النار أن يقولها صدقا من قلبه فلا ينفعه مجرد اللفظ بدون مواطأة القلب.
والسادس: الإخلاص وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك؛ قال تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}[البينة 5] الآية.. وقال تعالى {فاعبد الله مخلصا له الدين}[الزمر:2].
وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه”.
وفي جامع الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “ما قال عبد قط لا إله إلا الله مخلصا إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنبت الكبائر” قال الترمذي هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
والسابع: المحبة لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك؛ قال الله عز وجل {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} [البقرة 561].
فأخبرنا الله عز وجل أن عباده المؤمنين أشد حبا له وذلك لأنهم لم يشركوا معه في محبته أحدا كما فعل مدعو محبته من المشركين الذين اتخذوا من دونه أندادا يحبونه كحبه، وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه؛ وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله؛ ومعاداة من عاداه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه.
وكل هذه العلامات شروط في المحبة لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها، قال الله تبارك وتعالى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا} [الفرقان 34] الآيات.
وقال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله} [الجاثية 32]. فكل من عبد مع الله غيره فهو في الحقيقة عبد لهواه بل كل ما عصى الله به من الذنوب فسببه تقديم العبد هواه على أوامر الله عز وجل ونواهيه.
وقال تعالى في شأن الموالاة والمعاداة فيه: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم أنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} [الممتحنه 4] الآية.
وقال تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} [الجاثية 22] الآية.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياءه بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة 15] الآيات.
وقال تعالى في اشتراط اتباع رسوله صلى الله عليه و سلم قال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} [آل عمران 13].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله؛ وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار” أخرجاه من حديث أنس رضي الله عنه..” اهـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- حديث ضعيف المبنى صحيح المعنى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *