“وافق مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار للدول الغربية يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة تمهيدًا لانسحاب القوات الصهيونية منه”.
جاء قرار مجلس الأمن الدولي بشأن غزة رخوًا ناعمًا حتى لا يغضب الصهاينة الذين قتلوا وأصابوا في أسبوعين أكثر من أربعة آلاف شخص، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، ويدعو القرار إلى وقف “فوري ودائم وملزم لإطلاق النار يؤدي لانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة”، ولكنه لا يحدد موعدًا محددًا للبدء في هذه العملية، وهو إقرار وقتي من “المؤسسة الدولية” بوجود الجيش الصهيوني داخل أراضي غزة، وكلنا يعلم أن عدم تحديد وقت ملزم للانسحاب سيؤدي إلى مماطلات معروفة من جانب الاحتلال، أضف إلى ذلك تجاهل دماء الأبرياء القتلى وعدم الإشارة إليهم بكلمة واحدة وعدم توجيه أدنى لوم لقوات الاحتلال على جرائمها التي أشارت إليها بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة. وعندما تكلم القرار على المدنيين طالب الطرفين بوقف استهدافهم مساويًا بين الفعل ورد الفعل، متجاهلاً حق الدفاع المشروع عن الأرض والنفس التي تقره كافة القوانين الدولية.
ملابسات التوصل إلى القرار
فشل مجلس الأمن الدولي في اتخاذ قرار بشأن غزة طوال الأسبوعين الماضيين من العدوان المتواصل على غزة، في صمت مريب ورفض تام من الولايات المتحدة لاتخاذ قرار لوقف المجازر، وعندما بدأ الهجوم البري وتمكنت المقاومة من التصدي له لعدة أيام وبدأت الخسائر تزداد في صفوف الاحتلال وتناقص الدعم الداخلي لقرار العدوان وتنامى السخط الشعبي في جميع أنحاء العالم، بدأت المبادرات لإنقاذ الاحتلال وليس لإنقاذ الشعب الفلسطيني، وعندئذ صدر القرار الدولي الهزيل. وقد امتنعت واشنطن عن التصويت على القرار في محاولة لإعطائه مصداقية ما، وصرحت وزيرة الخارجية الأمريكية بأن “بلادها كانت تنتظر نتيجة المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار” والتي كانت الفصائل الفلسطينية قد رفضتها واعتبرتها تضييقًا على المقاومة، كما اعترضت على ما قيل عن اشتمالها على نشر قوات دولية في غزة، بينما أعلنت “إسرائيل” أنها محل دراسة!
ردود الأفعال على القرار
رأت حماس أن القرار الدولي لا يعنيها لأنها لم تستشر فيه رغم أنها أكثر المعنيين به، وأكدت على مطالبها السابقة والتي تتضمن وقف إطلاق النار والانسحاب الصهيوني من غزة، وفتح المعابر بشكل فوري، وقال موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس: الولايات المتحدة تريد فيما يبدو أن تعطي “إسرائيل” مزيدًا من الوقت لمواصلة هجومها، بينما أدانت حركة الجهاد القرار ووصفته بأنه يساوي بين الضحية والجلاد. أما الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فقالت: قرار مجلس الأمن الدولي ملتبس ويترك الأبواب مفتوحة أمام “إسرائيل” لمواصلة عدوانها على قطاع غزّة. من جهتها استمرت “إسرائيل” في اعتداءاتها رافضةً القرار، وقال رئيس وزراء الكيان الصهيوني “إيهود أولمرت”: القرار غير قابل للتطبيق ولن ينجح، وقالت “تسيبي ليفني”: “إسرائيل” تصرفت في السابق وستواصل التصرف وفق حساباتها واستنادًا لأمن مواطنيها وحقها في الدفاع عن نفسها، على حد زعمها. بينما دعمت حركة فتح القرار، وأثنت عليه مصر وبريطانيا وطالبت الجامعة العربية وتركيا بتنفيذه فورًا.
نظرة في ردود الأفعال
كان من الطبيعي أن ترفض المقاومة القرار لما فيه من إعطاء فسحة للاحتلال لتحقيق أهدافه والإقرار له بالبقاء داخل غزة، مع الامتناع عن إدانة جرائمه وعدم إلزامه بالفتح الفوري للمعابر، على الجانب الآخر أظهر الجانب الصهيوني بعض التمنع رغم أن قرارًا بهذا الشكل لا يمكن أن يمرر إلا بعد موافقته الضمنية وهو في ذلك يسعى لإيهام الرأي العام العالمي بأن القرار ليس في صالحه، وعندما يوافق عليه بعد ذلك يُظن أن الموافقة جاءت بعد “ضغوط دولية”! لذلك استمر في قصفه لغزة محاولاً فرض واقع جديد على الأرض يخدمه في حال تم وقف إطلاق النار. أما سلطة عباس فتسعى لتحقيق مكاسب شخصية من الوضع الحالي بعد أن انتهت فترة عباس الرئاسية دون تمكنه من تجديدها أو تنظيم انتخابات؛ فالشرعية الوحيدة الموجودة على الأرض الفلسطينية الآن هي شرعية حكومة حماس، وهو أمر لن يسبب إحراجًا لعباس وحده ولكن لأطراف عربية أخرى كانت تسعى لتحجيم حماس. على صعيد آخر بعض الأنظمة العربية والدولية تشعر بالحرج أمام شعوبها وتسعى لوقف إطلاق النار بغض النظر عن الشروط والأجواء المحيطة به، كمن يلقي بحمل ثقيل عن كاهله، ولكن القضية أصبحت لا تتحمل الآن المزيد من المسكنات، وعلى جميع الأنظمة تحمل مسئولياتهم بشجاعة أمام شعوبهم قبل فوات الأوان.