ما الذي يدفع المعارضين للنقاب إلى رميه عن قوس واحدة؟
والانزعاج من انتشاره؟ وسنِّ التشريعات الوضعية الأرضية للحدِّ منه ومحاربته بين آنٍ وآخر؟
ولمَ النقاب تحديداً وليس الوضوء أو الصيام؟
ربما لا يمكن لبعض الناس الجواب عن هذه الأسئلة إذا نظر للمسألة نظرة جزئية ضيقة، تقتصر على النقاب وحدَه، أو على بعض المبررات التي يطرحها المعارضون، لكن يظهر الجواب بوضوح إذا ربطنا بين العداء للنقاب والعداء لعددٍ من الشرائع الإسلامية الأخرى:
الحج والأذان وصلاة الجمعة؛ فقد لاحظنا العداء المستمر والمتجدِّد لهذه الشعائر وأمثالها، والرابط بين هذه التشريعات وأمثالها هو كونها من شعائر الإسلام المميِّزة له عن غيره؛ فهي شعائر تميِّز شخصية الإسلام عن غيره؛ أي أنها: ليست مجرَّد تشريعات إسلامية فقط؛ لكنها إلى جوار ذلك شعائر مُمَيِّزة للشخصية الإسلامية؛ إِذ هي الإعلان الظاهر والواضح عن الهوية الإسلامية والانتماء للإسلام.
فالأمر في هذه الشعائر يتعدَّى مجرَّد العبادات إلى كونه علامة مُمَيِّزة للهوية الإسلامية، وإعلاناً ظاهراً عن الإسلام، وإذا كان الكتاب يتضح من عنوانه، فإِنَّ هذه الشعائرَ وأمثالَها هي مِن عنوان الإسلام الظاهر، الدالِّ عليه؛ ومِن هنا تأتي أهمية مثل هذه العبادات والتشريعات من الجهتين: الإسلامية، وغير الإسلامية على السواء.
فالعراك الواقع هنا ليس بين عبادات أو تشريعات لها طابع الخفاء أو نحوه؛ وإنما العراك بين دينَيْن وهويَّتَين، يُعْلن كلٌّ منهما عن نفسه بوسائل خاصة به، فيُعْلن الإسلام عن هويَّته بشعائره الـمُمَيِّزة لشخصيته، التي تتجاوز حدَّ الاستجابة والإذعان في خاصَّةِ الشخص كالصيام ونحوه من العبادات الخاصة، بخلاف العبادات العامة أو الظاهرة التي تتسم بالعموم والظهور؛ بحيث يراها المسلم وغير المسلم، ومنها النقاب الظاهر الواضح، الذي يراه الناس بأكملهم عندما تخرج المسلمة من بيتها لقضاء بعض حوائجها فتمرُّ على الناس، تخبرهم في صمتٍ، وتدعوهم في سكونٍ، وتُعلن بغير كلام وعبارات عن هويتها الإسلامية، وانتمائها الأصيل للشعائر الإسلامية؛ حينئذٍ يُخْرِج المخالفُ أضغانَه، مستخدِماً في ذلك ما قَدَرَ عليه من ترغيبٍ وترهيبٍ للمرأة المسلمة من جهة، ولمن يتعاطف مع قضيتها من جهة أخرى.
والمخالِفُ في عدائه للنِّقاب خاصة أو لشعائر الإسلام عامة قد يتزيَّن ليصل إلى مراميه بأقصر الطرق وأقلِّها ثمناً؛ فتراه يختفي خلف «اللافتات» التي فرَّغها من محتواها؛ كالحرية الشخصية وحقوق الإنسان، ونحو ذلك مما يتذرَّع به لتنفيذ أغراضه، لكنه حين يتزيَّن بهذه «اللافتات» يضع لها من الضوابط والقيود ما يجعلها قاصرة عليه، فلا يسمح لأحدٍ غيره باستخدام تلك اللافتات لنصرة حقٍّ أو إبطال باطلٍ؛ إلَّا فيما يُمَكِّنه هو مِن أداء دوره والوصول لأهدافه؛ فالحرية الشخصية مقصورة على أصحاب «اللافتات» المزيفة، وحقوق الإنسان عندهم وحدهم؛ ولذا تراهم ينعون كلبـاً أو قطــةً ماتـت عنــدهم، بينمـا لا يكترث هؤلاء لعشرات الأرواح المسلمة البريئة التي تزهق.
وينسى هؤلاء جميع خلافاتهم ويتَّحدون في وجه امرأة منتقبةٍ هنا أو هناك، نظراً لما يثيره نقابها في نفوسهم مِن زلازل عميقة لاتصال الأمر بالهوية؛ ولذا يتحدثون عن الهوية بجوار حديثهم عن النقاب ومحاربتهم له، ويجمعون بين الأمرين في كثيرٍ من أحاديثهم بعبارة أو بأخرى.
وقد كان الشيخ علي محفوظ رحمه الله مُلْهَماً عندما قال: «ومن العادات المحرَّمة: تقليد الأجانب في الملابس والأزياء حتى انتشر ذلك في النساء والأطفال؛ فإذا وقع بصرك على امرأة أو ابنة مثلاً رأيتها إفرنجية في كل شيء وهي زوجة أو ابنة مَن يَعُدُّ نفسه من جماعة المسلمين، وهذا ضلالٌ يفضي بالأمة إلى تلاشي قوميتها وعاداتها وشعارها حتى تندمج في غيرها…» الإبداع: (ص/413). إلى آخر كلامه الذي يدلُّ على العلاقة الوثيقة بين قضية الثياب والمظهر، وبين قضية الدين والهوية الإسلامية لهذه الأمة. مجلة البيان؛ قراءة في ظاهرة التطاول على “النقاب”.