بر الوالدين بين وفاء الإسلام وإجحاف الغرب

الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع الإسلامي، فهي المحضن الدافئ للأطفال، والمرتع الهادئ للشباب، والمأوى الأمين للمسنين والمسنات.
وإذا كان الإسلام يحرص على صون كرامة الإنسان في كل مراحل عمره، فقد عني عناية خاصة بتوقير الكبار واحترامهم، وخاصة الوالدين، قال تعالى: “وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً” النساء.
فكبر السن له جلاله، وضعف الكبر له إيحاؤه، وأول مرتبة من مراتب الرعاية والأدب مع الوالدين، ألا يصدر من الولد ما يدل على الضجر والضيق، وما يشي بالإهانة وسوء الأدب: “فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً”، وهي مرتبة أعلى إيجابية، عندما يكون كلامه لهما يشي بالإكرام والاحترام.
الآباء المسنون في حضارة الغرب المادية
عرفنا فيما سبق اهتمام الإسلام بالمسنين عموماً وبالوالدين خصوصاً، فكان من أهم ما تتباهى به الأسرة المسلمة: استقرارها وتوازنها، وتعاطفها وتعاونها.
أما حضارة الغرب المادية فلها شأن مخالف، ففي زمن طغيان المادة، تحتاج البشرية إلى من يذكرها بالقيم الإسلامية الرفيعة، والمعاني الإنسانية السامية.
لقد أصبحت الحيوانات في تلك الحضارة تتفوق أحياناً على رعاية المسنين، ولاسيما المرضى والعجزة، فقد انتهت صلاحياتهم، ولم يعد لهم ما يقدمونه للحضارة المادية، لذلك أهملوا ورمي بهم في زوايا قديمة بانتظار أن يأخذهم الموت. وهذا ما جعل النائب الديمقراطي الأمريكي “كلودبير” يقول: “إن وضع المسنين في أمريكا عارٌ وطني مرعب”.
وذلك في معرض تعليقه على تقرير أعدته لجنة في مجلس النواب الأمريكي، بعد دراسة استمرت ست سنوات جاء فيها: “إن أكثر من مليون مسن ومسنة، تجاوزت أعمارهم 65 عاماً يتعرضون لإساءات خطيرة، فيضربون ويعذبون عذاباً جسدياً ونفسياً، وتسرق أموالهم من قبل ذويهم.
كما أن هذه الإساءات، ليست مقتصرة على طبقة اجتماعية معينة، بل إنها تحدث في كل طبقات المجتمع على حد سواء، في المدن والقرى والأرياف..
ومن أبشع ما ورد في هذا التقرير: أن امرأة قامت بتقييد أبيها البالغ من العمر 81 عاماً بسلسلة وربطته أمام الحمام، وأخذت تعذبه لعدة أيام!!
وقد أكد التقرير أن الإساءة للمسنين تأخذ عدة أشكال، منها: الضرب والإهمال والحرمان من الطعام والشراب، وقد يصل الأمر إلى القتل أحياناً.
ويعلق النائب: “كلودبير” قائلاً: “لا أحد يدرك حتى الآن أبعاد هذه المشكلة المرعبة، ولا يرى أحد أن يعترف بما يجري، لقد تجاهلنا المشكلة لأنها مخيفة، لدرجة تمنعنا من الاعتراف بوجودها، ولا نريد أن نصدق أن مثل هذه الأشياء، يمكن أن تحدث في دولة متحضرة”.
وتضيف الدكتورة “سوزان ستايتمتر” أستاذة الدراسات العائلية في جامعة “ملاوير” قائلة: “لقد تعودنا طوال تاريخنا على الإساءة للمسنين، إننا نميل إلى العنف البدني، وقد أصبح هذا جزءاً ثابتاً من طبيعة عائلات كثيرة تسيء للمسنين، بالعنف والاضطهاد، وأصبح إهمالهم وعدم الرفق بهم، أو حتى نجدتهم من الأمور الشائعة في المجتمعات الأوربية”.
فكم من رجل مسن وامرأة مسنة يموتان في أوربا وأمريكا في كل عام من البرد والجوع!!
وقد تبقى الجثة في الشقة أياماً دون أن يحس بها أحد، إذ يعيش معظم هؤلاء الشيوخ بمفردهم، فلا يزورهم أحد إلا نادراً، وقد لا يرون إلاَّ مندوب الضمان الاجتماعي في كل شهر مرة.
فظاهرة العقوق ظاهرة عامة في المجتمعات الغربية، لقد تجمدت العواطف، ونضبت معاني الإنسانية، وفسدت الفطرة لديهم.
ومعاني الجحود والنكران هذه غريبة على تقاليد العرب حتى في جاهليتهم، ممقوتة بغيضة ومحرمة في شريعتنا الحنيفة، ولكن كثيراً من المفتونين بحضارة التيه والضياع يتناسون التعاليم السامية التي يزخر بها ديننا الحنيف وقيمنا العريقة.
قال الله تعالى: “فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً” الإسراء.
قال صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من لا يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا” (صحيح الجامع الصغير، 2/958، رواه الترمذي وأحمد والطبراني، وقال الألباني: حديث صحيح).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *