أثار الموقف الأمريكي الهزيل من الأزمة الليبية دائرة من التساؤلات والانتقادات؛ حيث جاء تعليق إدارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” متأخرا وغير كاف؛ في الوقت الذي تسارعت فيه وثيرة الأحداث بعدما تعهد الرئيس الليبي “معمر القذافي” بالقتال ضد أبناء شعبه “حتى آخر قطرة دم”.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل في حشد التأييد الدولي من أجل إيجاد سبل لإنهاء الحملة الدموية التي يشنها نظام القذافي ضد الثوار الليبيين، إلا أن تلكؤ التعليق الأمريكي على الأحداث منذ بدايتها وتجنب الرئيس أوباما مطالبة “معمر القذافي” بالتنحي، كانت مثار دهشة وانتقاد كبير عند البعض؛ في حين أعرب بعض المحللين عن توقعه المسبق لهذا الموقف بالنظر إلى المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة؛ التي يخدمها بشكل ممتاز السفاح الليبي معمر القذافي.
وعلقت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية على ذلك بقولها: “ألم يكن ينبغي أن يكون رئيس الولايات المتحدة هو أول من يقف في وجه مفاسد طاغية مثل القذافي؟”
ونعرض فيما يلي نص المقال الافتتاحي لصحيفة “واشنطن بوست” الذي تناولت فيه تسلسل رد الفعل الأمريكي حيال الأحداث الدموية التي تشهدها ليبيا.
مرة أخرى، يلجأ حاكم عربي مستبد إلى استعمال العنف الإجرامي في محاولة يائسة منه للبقاء في السلطة. ومن جديد تتباطأ إدارة أوباما في إظهار صوتها. إلا أن الطاغية، هذه المرة، واحد من أكثر حكام الشرق الأوسط شرًا، هو “معمر القذافي”، الذي ارتكب نظامه هجمات إرهابية مذهلة ضد الأمريكيين كما انتهج تعامل وحشي مع شعبه. وبفقدانه على ما يبدو للسيطرة على معظم مناطق البلاد، فقد أطلق القذافي العنان لنوبة من إراقة الدماء في العاصمة الليبية طرابلس، مستخدمًا في ذلك مرتزقة أجانب وطائرات لمهاجمة أفراد شعبه..
وأدانت الحكومات حول العالم هذا الوضع المروع والمذابح الفظيعة التي تسبب فيها، ووافق الاتحاد الأوروبي من حيث المبدأ على فرض عقوبات، كما أعلنت جامعة الدول العربية أنه سيتم استبعاد ليبيا من اجتماعاتها. وكذلك أدان رئيس الوزراء البريطاني “ديفيد كاميرون” والمستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” ورئيس الوزراء الإيطالي “سيلفيو بيرلسكوني” جميعهم العنف الذي ينتهجه النظام. وقد صرح الرئيس الفرنسي “نيكولا ساركوزي” أن “الحملة الوحشية والدموية المستمرة ضد الشعب الليبي المدني أمر مقزز، وأنه لا يمكن للمجتمع الدولي أن يظل متفرجًا على هذه الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان”.
وحتى وقت متأخر.. كان هناك زعيم غربي هام واحد فقط هو من أخفق في التعليق على الشأن الليبي: إنه “باراك أوباما”.
قبل ذلك الحين، وخلال خمسة أيام من الفظائع المتصاعدة، كان التعليق الوحيد للرئيس هو بيان صدر باسمه من قبل السكرتير الإعلامي للبيت الأبيض في وقت متأخر من يوم الجمعة؛ شجب فيه العنف في ذلك اليوم في ثلاثة بلدان هم: اليمن وليبيا والبحرين. غير أنه على مدى أربعة أيام لاحقة، كان رد الإدارة الأمريكية على تصاعد عمليات إراقة الدماء المتلاحقة في ليبيا عبارة عن تصريحات مدروسة ومعتدلة نسبيًا ألقتها وزيرة الخارجية “هيلاري كلينتون”.
وفسر مسئولون بالإدارة الأمريكية هذا الموقف الضعيف بقولهم إنهم كانوا قلقين بشأن الرعايا الأمريكيين، والذين تم انتشال المئات منهم عن طريق عبارة ظهيرة يوم الأربعاء، وأنه كانت هناك مخاوف من أن قذافي اليائس قد يهاجم الأمريكيين أو يسعى إلى أخذهم كرهائن. إلا أن وجود الآلاف من المواطنين الأوروبيين في ليبيا لم يمنع قادة حكوماتهم من التحدث بقوة والاتفاق على فرض عقوبات.
وفي وقت متأخر من ظهر يوم الأربعاء، ظهر أوباما أخيرًا على منصة البيت الأبيض. وقال: “إننا ندين بقوة استخدام العنف في ليبيا”؛ غير أنه لم يذكر في كلمته القذافي أو يدعو إلى رحيله.
وقال أن الإدارة كانت تقوم بإعداد “مجموعة كاملة من الخيارات” للرد، ولكنه لم يوضح ما هو كنهها؛ كما لم يتطرق من قريب أو بعيد لمسألة منطقة حظر الطيران التي دعا إليها الوفد الليبي بالأمم المتحدة. وأكد أن الولايات المتحدة سوف تعمل من خلال المحافل الدولية، وأن وزيرة الخارجية كلينتون ستسافر إلى جنيف للاجتماع مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمعروف بعدم الفاعلية، والذي يعتبر ليبيا عضو فيه.
لقد بدا أوباما حريصا على أن إبراز أن الولايات المتحدة لم تكن هي من يأخذ بزمام المبادرة في معارضة جرائم القذافي؛ حيث قال: “من الضروري أن تتحدث دول العالم وشعوبه بصوت واحد”، وأن “هذا هو محل اهتمامنا”.
ألم يكن ينبغي أن يكون رئيس الولايات المتحدة هو أول من يقف بوجه مفاسد طاغية مثل القذافي؟
يبدو أن هذا الرئيس لا يعتقد ذلك.اهـ