عنوان الملف: (المدخل المقاصدي والمناورة العلمانية)

يتناول هذه الملف الذي استللناه من رسالة الدكتور أحمد إدريس الطعان (المدخل المقاصدي والمناورة العلمانية) إحدى القضايا ذات الأهمية الخاصة التي يحاول الخطاب العلماني أن يتسلل من خلالها لفرقعة الثوابت الإسلامية، متقنعاً بثوبٍ إسلاميٍ يمكِّنه من ذر الرماد في العيون؛ إنه مبدأ المقاصد ذلك المبدأ الذي اتفق المسلمون على أنه مبدأ أساسيٌّ في فهم الشريعة واستنباط الأحكام من نصوصها، فالشريعة بالاتفاق جاءت لتحقيق مقاصد سامية في حياة الإنسان والمجتمع والأمة، ولكن مقاصد من؟!
هل هي مقاصد الله عز وجل وعلى صعيد الدارين: الدنيا والآخرة؟ أم مقاصد الإنسان الغارق في دنيويته المحضة، ويريد تطويع كل شيء لخدمة هذه الدنيوية؟
وكيف نصل إلى هذه المقاصد؟
هل يتم ذلك عبر القراءة المتدبرة للنص والتي تريد معرفة مراد الخالق عز وجل منه؟
أم عبر القراءة المستَلبَة للواقع والمصلحة، والتي لا تقبل من النص أي قولٍ خلاف ذلك، فإن أراد النص أن يُقوِّم مرادات الإنسان وأهواءَه، ويُهذِّب واقعَه وسلوكَه؛ فإن النص يُلوى عنقه عبر ذريعة المقاصد، ويُحرَّف مضمونه عبر وسائل القراءة كالهرطقة أعني الهرمينوطيقا( 1) لكي يستجيب لما تمليه عليه إرادة القارئ.
وقد اعتمدت في هذا الدكتور الطعان في بحثه على المصادر الأساسية والمباشرة للخطاب العلماني، وحرص على أن يترك النصوص هي التي تتكلم، وأن يكون منهجه هو المنهج الوصفي الكشفي التركيبي الاستنتاجي، حتى لا يتهم بالتجني والتحامل!!
والهدف من وراء هذا الملف هو الكشف عن الوحدة المتخفية وراء التنوع والاختلاف في المنظومة العلمانية، وأن نصل إلى الجذور الكامنة وراء الأغصان والفروع، فالتيارات والمدارس العلمانية الليبرالية والماركسية والحداثية والعدمية على الرغم من اختلافها إلا أنها تتفق إلى حد كبير كلما حاولنا الحفر في الأعماق للوصول إلى الجذور المادية والدنيوية التي تغذيها، ويكون الاتفاق أكثر وضوحاً حين يتعلق الأمر بالدراسات الإسلامية عموماً، وذلك بسبب التضاد المطلق بين هدف الرسالة الإسلامية وهدف العلمانية عموماً في التعامل مع أسئلة الإنسان الكبرى وقضاياه المصيرية.
————————–
(1 ) الهرمينوطيقا مصطلح يراد به التأويل أو فن قراءة النصوص والفنون ولكنه أصبح يُعنى بالبراعة الاستدعائية أو الاستيحائية من خلال التأمل في النصوص أو الأعمال الفنية المختلفة وأصبح القارئ يبتعد جداً عن النص الأصلي معتمداً على ما يسميه امبرتو إيكو “التوالد الإيحائي” أو “التناظر والانتقال المزيف” . ومن هنا أردنا أن نلفت نظر القارئ إلى الصلة بين الهرطقة والهرمينوطيقا بجامع القراءة المزيفة للنصوص في كليهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *