في عام 1953، قادت الاستخبارات الأمريكية (CIA) بقيادة ضابط الاستخبارات “كرومت روزفلت” انقلابا عسكريا على الرئيس المدني المنتخب لإيران محمد مصدق، وكان الداعي للانقلاب عليه هو سعيه لتأميم النفط الإيراني، فأخرجوا مظاهرات وقادوا مسيرات، وشوهوا صورته في وسائل الإعلام الإيرانية والعالمية والأمريكية، ثم أشاروا على الموالين لهم بالجيش الإيراني بالانقلاب عليه.
وفي عام 1954 دبرت الاستخبارات الأمريكية انقلابا عسكريا آخر على رئيس غواتيمالا في أمريكا اللاتينية، وكان اسمه “جاكوب اربنز”، وكان يخطط لإجراء إصلاحات اجتماعية، وإعادة توزيع الثروة، فقادت المخابرات الأمريكية الانقلاب عليه، ونصبت عميلا آخر هناك ولكن بالنكهة اللاتينية.
وهناك انقلابات عسكرية كثيرة حدثت سواء في أمريكا الجنوبية، أو في آسيـا، أو في بلدان العالم أجمع، فالقضية عند أمريكا ليست هي معايير حقوق الإنسان كما يدعي زعماؤها، وإنما يسعون لبسط نفوذهم على أي بلد يلمسون منه سعيا للتفوق والتقدم.
ويؤكد ذلك -علاوة على ما تقدم- ما حدث في تشيلي سنة 1973، حين وقع انقلاب عسكري دموي قاده ضابط كان على ارتباط وثيق بالاستخبارات الأمريكية، اسمه أوغيستو بينوشيه”، حيث انقلب على رئيس شيلي آنذاك “سلفادور أليندي”، وأتت مجموعة ما يعرف بـ”مدرسة شيكاغو” لتدمر البلد تماما بعد التطور الذي حدث في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلد.
فأمريكـا التي أقامها الإنجليز على جثث الملايين من الهنود الحمر، وكانوا يأكلون لحومهم أحياء وأمواتاً، وقامت أيضا على جثث المهاجرين والمهجرين من إفريقيا إلى أمريكا لكي يبنوا تلك الدولة اللقيطة، هذه الدولة الدموية التي قتلت خلال عشرة أعوام الماضية فقط ما يقرب من 6 مليون مسلم وعربي في أفغانستان والعراق والصومال، وفي كل مكان فيه عربي ومسلم ينطق “لا إله إلا الله” نطقا باللسان وعملا بمقتضاها، ويتمسك بها تمسكا حقيقياً؛ هذا هو تاريخ أمريكا، والتاريخ يؤسس للحاضر، وهو الذي يؤثر على المستقبل.
وبصراحة فهُمْ لم يكلفونا عناء التفكير في أن ما حدث كان بترتيب من البيت الأبيض، فالجنرال “مارتن دمبسي” وهو رئيس أركان الحرب في أمريكا خلال جلسة إعادة تعيينه مرة أخرى رئيساً للأركان، قال: “إن الجيش المصري هو راعي المصالح الأمريكية في المنطقة، وهو الذي يسمح بمرور السفن الأمريكية في قناة السويس، وهو الذي يسمح ويرعى المصالح الإسرائيلية واتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام، وهذا معلن”، وقال أنه “يجب الاستثمار في الجيش المصري لأنه راعي المصالح الأمريكية في المنطقة..”، فرد عليه عبد الفتاح السيسي في الحوار المشهور بالواشنطن بوست: “إن الإدارة الأمريكية كانت على علم بكل التفاصيل التي حدثت قبل 30 يونيو وبعده، وإننا نزودهم بكل المعلومات عن الأزمة المصرية، وهم على دراية تامة بكل التفاصيل” بل وطالب السيسي الإدارة الأمريكية والشعب الأمريكي بالتدخل في الشأن المصري وتأييد الانقلاب.
إذاً التاريخ هو تاريخ دموي، فأمريكا هي راعية الديكتاتوريات في العالم كله، فمن الذي كان يرعى مبارك؟ ومن الذي كان يساند مبارك؟ وماذا كان موقف الولايات المتحدة من الثورة؟
لم يكن لها أي موقف، بل ماذا كان موقف الولايات المتحدة إبان أحداث محمد محمود 11\2011؟
“روبرت فيسك” كتب فيهم مقالا عنونه بـ”ما هذا الصمت الفئراني؟” عما كان يحدث من مجازر في ميدان التحرير ضد الثوار، ولم تعلق أمريكا ولم تعلق بريطانيا.. نحن أمام دولة هي راعية الديكتاتوريات في العالم، ولكن للأسف لديها آلة إعلامية، ووكلاء في الداخل يروجون لادعاءاتها حول الديمقراطية، وحقوق الانسان، والسلطات المدنية، والتحول الديمقراطي، وكلها كلمات فارغة، ولكن على الأرض دعم للدكتاتورية، وسحق للإرادة الشعبية، ودعم لحكم العسكر.
إذاً أمريكا التاريخ يقول أنها تبنت هذا الانقلاب، فما كان له أن يتم إلا بضوء أخضر أمريكي مفعم بالمعلومات.
هؤلاء العسكر الذين قال فيهم جمال حمدان: “العسكر يريدون الحكم ولا يريدون الحرب، يريدون أن يحكموا ولا يريدون أن يدافعوا عن الحدود، الوظيفة الحقيقية لهم هي الحكم، الوظيفة الدباجية الإعلامية هي حراسة الحدود، إن هؤلاء مع الخارج يتبنون الحل السلمي ولكن مع الداخل يتبنون الدم، ويقتلون السجد الركع، وظيفتهم هي الحكم وليس الحرب”.
ويتساءل البعض أن “جون ماكين” قال إنه انقلاب عسكري؟!
فهو من الحزب الجمهوري المعارض للحزب الديمقراطي الحاكم الآن في أمريكا بقيادة باراك أوباما، ولذلك قال ما قال، لأنه وجد المؤيدين متعطشين جداً لسماع أن ما حدث هو انقلاب، ولكن في المقابل تبنوا خارطة السيسي، وفي النهاية ما هي خارطة الطريق التي تبنوها ووصوا بها الإدارة المصرية؟ إنها خارطة الطريق السيسية، إنه محمد مرسي الذي تمت إزاحته، فلنعمل على المستقبل.
في أمريكا هناك حملة يقودها السيناتور الأمريكي “رون بول”، تقول لماذا نعطي مصر 1.6 مليار دولار سنويا، وقال إن الأمريكان لا يجدون الطعام في ضواحي شيكاغو وكاليفورنيا، فهم سبب إزعاج، فاعتبر هذا السيناتور أن ما حدث انقلاب عسكري، وبما أن القانون الأمريكي يمنع منح أي دولة قامت فيها انقلابات عسكرية أية مساعدات مادية أو عينية فالبعض يتبنى هذا الطرح، والبعض يتبنى غيره، ولكن الإدارة الأمريكية هي من أدارت هذا الانقلاب، ويجب أن يكون في وعينا هذا والأطراف السياسية يجب أن تفهم هذا.
في الحقيقة، إن الهدف الاستراتيجي لأمريكا هو دعم الجيش الآن، ولكن الهدف المستقبلي ما هو؟ إنه تفتيت الجيش المصري على غرار ما حدث مع الجيش العراقي، وللعِلم فإن صدام حسين دخل الكويت في عام 1990 بضوء أخضر أمريكي، وكان صمام هذا الضوء هو “دونالد رمسفيلد”، الذي كان مبعوث الإدارة الأمريكية إلى صدام، فسـأله الأخير عن موقف أمريكا إذا تم دخول الكويت؟
فقال له: “هذه قضية تخص الكويت والعراق..”.
فلما دخلوا الكويت ماذا حدث؟
جاءت أمريكا بكل جيوشها إلى هنا، وبدأ تفتيت الجيش العراقي، وهذا ما يحدث الآن، هم يريدون تفتيت هذا الجيش حتى لو أن هذا الجيش في تلك اللحظة كان معهم، فالهدف التكتيكي هو دعم الانقلاب، ولكن الهدف الاستراتيجي هو تفتيت هذا البلد ومكونه الأساسي، وهو الجيش المصري.
نحن نخوض المعركة الصحيحة في السياق الصحيح في التوقيت الصحيح، نحن هنا من أجل أن تكون تلك المؤسسة -التي هي من أهم المؤسسات في الدولة- المؤسسة العسكرية، ولكنها أيضا من أخطر المؤسسات في الدولة، امتلاكهم السلاح وقوتهم الداخلية تجعلهم في انتعاش وفي حالة من العلو على المدنيين، فيجب على الثورة أن تخوض تلك المعركة، وهي إخضاع تلك المؤسسة إلى سيطرة المدنيين.
محاضرة للدكتور حسام أبو البخاري
بتصرف