“من أجل حرية الطبع بدون ترخيص أو كتابة” تحقيق مغرض النفاق والتقية هو الأسلوب المتبع من طرف المنابر العلمانية للترويج لأطروحاتهم ومحاصرة الدعوة الإسلامية نبيل غزال

نشرت جريدة الأحداث المغربية في عددها رقم 4203 بتاريخ 22 نونبر 2010 تحقيقا حول ما أسمته “مخطوطات ومنسوخات تكفيرية تفلت من الرقابة وتطبع سرا في المغرب”.

والناظر لأول وهلة إلى ما حواه التحقيق وإلى عناوينه الكبيرة يخيل إليه وكأن آلاف الكتب تطبع سرا في ملاجئ تحت الأرض؛ وتوزع مجانا على أبواب المدارس والجامعات؛ وعلى الرصيف والطرقات؛ وفي الأسواق والمكتبات؛ كتب يؤلفها أصحاب فكر منحرف دخيل وتدعمها شبكات منظمة من خلف الستار!
علما أنه وفق المرجعية العلمانية لهيئة تحرير يومية الأحداث فلا يحق لهم البتة الحديث عن الرقابة الإعلامية أو الثقافية أو الفكرية، ذلك أن يومية الأحداث نشرت في عددها 3917 في ملتقى الفكر تحت محور “الكتب العشرون التي غيرت العالم” كرَّاسة للإنجليزي “جون ميلتون” أصدرها سنة 1644م عنوانها “أريوباجيتيكا: من أجل حرية الطبع بدون ترخيص أو كتابة”؛ عرفت الجريدة بهذه الكراسة باعتبارها “أول نص يدافع عن فكرة مفادها أن الرقابة تعتبر ممارسة غير شرعية وتخلو من كل فائدة”.
وأنه وفق قول الإنجليزي “ميلتون” دوما: “الجمهور ناضج بما فيه الكفاية كي يحكم بنفسه على قيمة الكتابات التي نرغب في منعه من قراءتها”.
فانطلاقا من هذا الاعتبار فإن الرقابة على المطبوعات والمنشورات وفق المرجعية العلمانية أمر مرفوض؛ والجمهور هو الحكم على ما يعرض عليه من أفكار وأطروحات؛ لكن وكما ثبت عن السلف التلون والتناقض وسرعة تغيير المواقف من أخلاق أهل الأهواء وكما ورد في المثل المصري الطريف “أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب”؛ فالتنظير الكبير للصحافة العلمانية فيما يخص مجال الحريات الفردية وحرية التعبير والكتابة والنشر يقف عند ساحل كل ما هو شرعي أو له علاقة بالدعوة إلى الله؛ ليتحول بعد ذلك إلى تطرف وأصولية ووهابية وغيرها من العبارات التي يقصد من ورائها القدح والنبذ الصرف.
فمن ضمن الأراجيف التي أدرجتها يومية الأحداث في تحقيقها قولها: “مخطوطان كانا قد أعدا للنشر منذ عقود لكنهما لم يصدرا في صيغة كتب مطبوعة إلا خلال السنتين الأخيرتين في تراب الحي الحسني”؛ وعدت منهما كتاب الأستاذ الفاضل والباحث المُجد حماد القباج “السلفية في المغرب ودورها في محاربة الإرهاب”.
فمن أخبر الجريدة أن كتاب الباحث في السلفية حماد القباج كان قد أعد للنشر منذ عقود؟ هل أخبرهم المؤلف بذلك؟
اللهم لا؛ سوى الكذب والتحامل والتهويل.
وأما الكتاب الثاني الذي تعرضت له الجريدة فهو كتاب “حكم السنة والكتاب في الزوايا والقباب لناسخه حميد بن بوشعيب العقرة الذي درس بالعربية السعودية دراسته الجامعية فحصل على الإجازة ثم التحق بالمغرب لاستكمال السلك الثالث من الدراسات العليا؛ بعد ذلك سيفتح دارا للقران بالحي الحسني ومن ثم يستمر في مزاولة نشاطه تحت يافطة المجلس الأعلى العلمي. الكتاب يوزع بالمجان في منطقة الحي الحسني وهو منسوخ عن نسخة الأصل بخط ابن المؤلف الفقيه السيد الحاج الحسن الذي كان قد نسخه أول مرة في عام 1965م”.-حسب تعبير الأحداث-
وهذا الكلام يندرج أيضا في سلك الزيف والبهتان؛ فالأحداث قد عمدت قصدا إلى تغيير الصفة التي أثبتها الكاتب حميد العقرة على غلاف الرسالة؛ من “اعتنى به حميد بن بوشعيب العقرة” إلى “لناسخه حميد بن بوشعيب العقرة” لتوهم قراءها أن الرسالة هي للأستاذ العقرة؛ في حين أن صاحب الرسالة الذي عملت الأحداث جاهدة على إخفاء اسمه طيلة التحقيق هو العلامة المغربي السلفي الشيخ عبد الرحمن النتيفي؛ ودور الباحث حميد العقرة اقتصر على إخراج هذا الكنز من رفوف المخطوطات إلى عالم المطبوعات؛ ثم إن هذا الكتاب يباع في الأسواق ولا يوزع مجانا كما تدعي الأحداث؛ التي حاولت النيل من المعتني بالكتاب وإلصاقة بالوهابية التي ترادف عندهم التطرف والأصولية (ظلما وزورا)؛ علما أنه لا علاقة أبدا للدراسة في المملكة العربية السعودية الشقيقة بأراجيف المنابر العلمانية؛ فوزارة التعليم العالي تعطي معادلات الشهادات المخولة من تلك الجامعات؛ وبعض من اختارته الوزارة المعنية بالشأن الديني لاعتلاء الكراسي العلمية قد درس في تلك الجامعات أيضا.
ولم يخل التحقيق أيضا من إدراج بعض الأمور التي تبعث في الحقيقة على الضحك وتكشف عن مدى سفاهة عقول معديه وناشريه؛ كقولهم: “ويعلم الحجاج أنهم حينما يريدون مغادرة السعودية يتم حبسهم في المطار إلى أن تأتي مجموعات الكتب الوهابية التي تهدى ولا تباع فتوزع عليهم مجانا لإدخالها إلى بلادنا بدون حسيب ولا رقيب”!
ترى لماذا يتم حبس الحجاج في المطار إلى أن تأتي “الكتب الوهابية” وتوزع عليهم؟
لماذا لا يتم تقديم “الكتب الوهابية” مباشرة بعد دخول الحجاج والمعتمرين المطار ساعات قبل الإقلاع؟
لماذا لا تتم مراعاة ذلك حتى يُقبل الحجاج على هذه الكتب بطيب خاطر ولا يمتعضوا من طول الانتظار؟
يبدو أن معد التقرير المسكين لم يسبق له زيارة بيت الله الحرام ليعلم أن المملكة العربية السعودية توزع في مطاراتها نسخا من المصحف الشريف؛ وتحرص على أن يتوصل كل زائر للمملكة بنسخة من المصحف وبالرواية التي يقرأ بها أهل بلده.
فالكتيبات والمطويات توزع بالمجان في الشوارع والمقرات خدمة للدين ونشرا للوعي يأخذها كل من رغب فيها دون إجبار أو إكراه، ولا يحتاج توزيعها إلى تأخير مواعيد إقلاع الطائرات. فهذا من الكذب المعتاد الذي تنشره الجريدة بمناسبة وبدونها، خداعا لقرائها ونيلا من علماء السعودية.
لو نشر الأستاذان الباحثان حماد القباج وحميد العقرة منشورات “حداثية” تهتم بـ”عظائم الأمور” من قبيل تحرير العقل العربي من أغلال النص الديني؛ وضرورة إحلال العلمانية في المجتمعات العربية المتعددة العقائد والأعراف؛ والعمل على إحداث قطيعة مع الماضي والدولة الأتوقراطية والتيوقراطية أي الدولة الدينية المستبدة؛ ووجوب تربية النشء خاصة على مبادئ حقوق الإنسان وتمتيع كل مواطن بحريته الفردية.. لو اهتما بهذه الأمور “العظيمة” وعملا على ترسيخها داخل المجتمعات العربية عامة والوطنية خاصة لحظيا بالرضا التام والمطلق من قبل المنابر الإعلامية العلمانية؛ ولعقدت لهم الأمسيات والندوات للتعريف بكتبهم ومنشوراتهم. لكن أن يهتما بالتوحيد وتصفية العقيدة مما شابها من مخالفات وشركيات؛ ويدعوا الناس إلى التدين والبعد عن التطرف والإرهاب وما يترتب عنهما من أعمال تخريبية تعود بالضرر على الفرد والمجتمع المسلم على حد سواء ولا يستفيد منها إلا أعداء المسلمين الأصليين ومن يسير في ركبهم ويخدم مشاريعهم؛ ويعملا على إخراج كنوز المكتبة المالكية ويعرفا بأعلام المغرب من العلماء السلفيين المبرزين فهذه هي عين البَدوَنَة والارتكاس الحضاري والمعرفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *