وعيا منها بخطورة ثالوث التشيع والشذوذ والتنصير، سبق لجريدة السبيل أن تناولت هذه الموضوعات بالدراسة والتحليل عبر ملفات أعدتها، سلطت فيها الضوء على هذه الانحرافات العقدية والسلوكية.
واليوم وبعد أن أقدمت السلطات المغربية على طرد خمسة منصرين أجانب وترحيلهم إلى إسبانيا، بعد ضبطهم متلبسين بنشاط تنصيري، أعيد فتح ملف التنصير من جديد، وتدخلت فيه أطراف متعددة.
وإذا كان من غير اللائق أن يتساءل المرء عن أهمية وجدوى محاربة التنصير للذود عن حياض العقيدة الإسلامية، والحفاظ على تماسك المجتمع ووحدته، فإن العلمانيين لا يعيرون أي اهتمام لمثل هذه المقاصد والأهداف، فولاؤهم التام هو للأحكام والمواثيق التي جاءت في اتفاقيات حقوق الإنسان وإن خالفت دين المغاربة وقيمهم.
إن التنصير ظاهرة متجدِّدة ومتطوِّرة في آن واحد، وتطورها يأتي في توسيع الوسائل ومراجعتها بين حين وآخر، تبعًا لتعديل الأهداف، ومن ذلك اتخاذ الأساليب العصرية الحديثة في تحقيق الأهداف المعدلة، حسب البيئات والانتماءات التي يتوجَّه إليها التنصير، حتى وصلت هذه الظاهرة، عند بعض المتابعين لها، إلى كونها علمًا لـه مؤسساته التعليمية ومناهجه ودراساته ونظرياته.
إننا حين نقارن بين المخاطر التي تشكلها الحروب التي يشنها الغرب ضد أي بلد مسلم، وبين المخاطر التي يشكلها الغزو الفكري والثقافي عليهم، نوقن أن هذا الأخير أشد تدميراً وأكثر ضراوة وأعمق تأثيراً من النوع الأول، وعليه فإنه ينبغي أن يُخشى على المسلمين من التدمير العقدي والفكري والثقافي أكثر مما يخشى عليهم من الجيوش والأسلحة، هذا فضلاً عن خروج المسلمين من حروبهم ضد أعدائهم أشد عزماً وأقرب رجوعاً إلى دينهم وتمسكاً به.
لقد كان المُنصرون في طليعة المُستكشفينَ الذين حلوا في جل البلدان المحتلة ومنها المغرب، ومَهَّدوا للاحتلال قبل قدومه، كـ”شارل دو فوكو” و”دومنيك باديا”، وغيرهم من المستشرقين والمنصرين الذين عملوا على تنصير سكان المغرب وغيره من الدول المغاربية، لاعتقادهم أن التنصير هو السبيل الوحيد لضمان ولاء سكان المغرب المسلمين لفرنسا المحتلة.
فمع قدوم الاحتلال إلى المغرب، “تكفلت الحكومة الفرنسية بحماية وتشجيع الدعاية التنصيرية، وخصتها بنفقات كثيرة، ومساعدات وفيرة، من الميزانية العامة للمغرب ومن ميزانية الأوقاف الإسلامية، ومن أوراق اليانصيب التي تفرضها على جميع الموظفين المسلمين، لحساب التنصير والمنصرين، ومنذ 1923 قويت حركة التنصير بين المسلمين، وأسست فرنسا مركزا عاما للتنصير في عاصمة المغرب وربطته بفروع منتشرة في المدن والضواحي، والقبائل الخاضعة والمستقلة”.
وبذلك يتضح أن الغرض من التنصير هو ما أفصح عنه المنصر والمستشرق صمويل زويمر في مؤتمر القدس التنصيري عام 1935م بقوله: “لكن مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية، ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة له بالأخلاق الحميدة التي تعتمد عليها الأمم في حياتها”.
ومنه نفهم الدافع وراء عزم نابليون خلال حملته على مصر سنة 1798م اصطحاب الرهبان والقساوسة، إضافة إلى النساء العاريات ومنقبي الآثار على ظهر سفنه الحربية، علما أنه ورد في إنجيل متى 15/24: “أن المسيح عليه السلام لحقته امرأة كنعانية تطلب منه شفاء ابنتها المجنونة، فقال المسيح: “لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة”، فدعوة عيسى ليس فيها تنصير أو تبشير لغير اليهود، ومع ذلك نجد أتباعه يلزمون بها كل الأمم.
ومع تطور وسائل الاتصال وظهور الإنترنت، أصبحت الشبكة العنكبوتية هي “الدجاجة التي تبيض للمنصرين ذهباً”، فلم تعد هناك عوائق أمام وصولهم للشباب المسلم في أي مكان؛ وبدأت المنظمات التنصيرية في استغلال هذه الشبكة لتنصير المسلمين أو تشكيكهم في دينهم، عملا بقاعدة المنصرين الخبيثة “إذا لم تستطع أن تنصر مسلمًا، فلا يجب أن تبقيه مسلمًا حقيقيًا”.
ثم إن حال شبابنا المستهدف من حملات التنصير لا يخفى على أحد، فهو واقع بين مطرقة التنصير التي تغريه بفرص العمل والعيش الرغيد – بزعمهم-، وسندان الأمية الدينية وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
إن التنصير خطر محدق يهدد عقيدتنا ووحدنا، ويمكن لعدونا في أرضنا.
وتبصيرا للرأي العام وبيانا لحقيقة هذا الخطر وأهدافه، ارتأت جريدة السبيل فتح ملف في الموضوع.