يهدف العلمانيون إلى إبطال مرجعية كتب التفسير وإضعاف الثقة بها، وقطع الصلة بين الأمة وإرثها الزاخر، لتضل طريقها، ويفقد الدين معالمه، ويلبس على الناس الحلال والحرام، إذ ليس بعد قطع الصلة بين الأمة وعلمائها الأجلاء الأتقياء إلا أن يتخذ الناس رؤوسا جهالا فيضلوا، وقد سلكوا في سبيل ذلك كل مسلك، مثل انتقاص العلماء وكتبهم ووصفها بالسطحية تارة، والرجعية أخرى، وأنها غارقة في الأسطورة والخيال ثالثة.. وهكذا.
ومن ذلك قول شحرور: “فماذا قدم السادة العلماء للناس؟ لقد تصدر العلماء المجالس والإذاعة والتلفزيون على أنهم علماء المسلمين، وجلهم ناقل وليس بمجتهد، أي أنهم قدموا لنا ماذا فهم السلف من القرآن على أنه تفسير للقرآن. والواقع أنهم بذلك لم يقدموا ما يؤكد أن القرآن صالح لكل زمان ومكان، بل قدموا تفاعل هؤلاء الناس مع القرآن، وبالتالي قدموا الأرضية المعرفية التاريخية لهؤلاء الناس إلينا ونحن في القرن العشرين، أي قدموا لنا تراثاًُ إسلامياً ميتاً. وكل الشواهد التي نراها في القرن العشرين هي أن الإسلام دين خارج الحياة جاء للناس جميعاً وهو عبء عليهم.
والمشكلة أنهم نقلوه عن أموات وأهملوا أن صاحبه حي باق. وبعض رجال الدين شاؤوا أم أبوا، بموت النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة حولوا القرآن تراثاً ولم يعلموا أن كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة هو الاحتمال الأول لتفاعل القرآن مع العرب في القرن السابع الميلادي (الثمرة الأولى). وبذلك أصبح الإسلام دين نقل، ومات العقل والنظرة النقدية إلى النصوص، وعند مشايخنا فهم القرآن هو عن.. عن..، وقال مجاهد وعكرمة وابن عباس وابن كثير والزمخشري، علما بأن أقوال هؤلاء ليس لها قيمة علمية كبيرة بالنسبة لنا، ولكن لها قيمة تراثية أكاديمية بحتة” اهـ (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة).
ويقول محمد أركون: “أما الفكر العربي والإسلامي فلم يشارك في أي جزء من هذا المسار الفكري الطويل الذي ابتدأ من القرن السادس عشر، لقد انكفأ على ذاته داخل منهجية سكولاستيكية اتباعية اجترارية، وكانت هذه السكولاستيكية نفسها قد انقسمت إلى معارف جزئية مبعثرة، وتشكلت على هيئة مذهبية مبتورة ومتنافسة ومغلقة بعضها على البعض الآخر” (الفكر الإسلامي قراءة علمية ص:173).
وهذا الوصف أو قريب منه عقد له بابا كاملا في كتابه، يصف فيه كتاب الإتقان للسيوطي بالسطحية..
ويقول العروي: “الأفضل لنا نحن العرب في وضعنا الثقافي الحالي أن نأخذ من ماركس معلماً ومرشداً نحو العلم والثقافة..”! (محاورة فكر عبد الله العروي، ص:19).
أما نصر حامد أبو زيد فقد كان أذكى من هؤلاء، فلم يصرح -حسب الباحثة منى الشافعي- بأي كلمة توحي بانتقاص الدين، بل كان يحاربه من داخله تارة بالافتراء على العلماء، وتارة بإحياء تراث الفرق الضالة.
فمثلا نقل نصر أبو زيد من كتاب البرهان للزركشي نقلا مبتورا ليظهر أن الرأي الذي ذكره الزركشي بصيغة التمريض -للإشعار بضعفه ثم رجح غيره- هو رأي الزركشي نفسه، لإضعاف الثقة في كتابه.
يقول نصر في كتابه مفهوم النص (ص:48) نقلا عن الزركشي: (وذكر بعضهم أن أحرف القرآن في اللوح المحفوظ كل حرف منها بقدر جبل (ق)، وإن تحت كل حرف معاني كذا لا يحيط بها إلا الله عز وجل، وهذا معنى قول الغزالي: إن هذه الأحرف سترة لمعانيه) اهـ.
ومعلوم أن هذا الرأي ضعفه الزركشي وغيره، بل إن المفسرين يأخذون مثل هذه الأقوال مثلا على كذب الإسرائيليات وبعدها عن العقل.
فهذه هي الأمانة العلمية التي يدعيها العلمانيون!
وهذا هو الاحترام الحقيقي لما يسمونه زورا وبهتانا “تراث”! (انظر التيار العلماني الحديث وموقفه من القرآن الكريم، منى الشافعي).