لقد تعرض العالم الإسلامي على مدى تاريخه الكبير لهجمات وحشية، فقتل الصليبيون تسعين ألفا في حملتهم على بيت المقدس، لكنهم على كل حال لم يبلغوا ما بلغه التتار الذين قتلوا في بغداد وحدها زهاء مليوني مسلم.
وفي العصور الحديثة ظهر المستعمرون الجدد، أبناء الصليبيين القدامى وحطوا مراسيهم في موانئ العالم الإسلامي، لكن حتى لا نسيء الظن بهم والتقدير -كما يقول بنو علمان-؛ فإنهم إنما قدموا لعمارة بلادنا وانتشالها من وهدَة الجهل والفقر؟! لقد تركوا بلادهم وضحوا بملاذهم لغاية نبيلة وهي انتشالنا من واقعنا المرير!!
وبعد عقود مريرة ممزوجة بمئات الألوف بل الملايين من التضحيات والنضال والجهاد غادر المستعمرون بلادنا وقد ازددنا فقراً ومرضاً، غادروها.. لكن بعد أن أصبحنا رهناً لحضارتهم وثقافتهم، ويبقى السؤال يتجلجل في أذهاننا: لم قدم هؤلاء؟ هل أتوا لتحقيق مصالحهم الاستعمارية فحسب؟ أم اجتمعت إليها أهداف دينية، حملت المستعمر إلينا من جديد؟
واليوم وفي القرن الواحد والعشرين يعود الغربيون حاملوا رايات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية المرأة من جديد، ليبذلوا المزيد من دمائهم وميزانياتهم في سبيل انتشالنا من سطوة الدكتاتورية، إنهم لا يطيقون رؤيتنا بغير ديمقراطية!
لكن بذلهم وتضحيتهم لن يمنعنا من التساؤل: هل خلف هذه الأستار خلفية دينية تدفعهم للعودة إلينا من جديد؟ هل هي حملة صليبية جديدة كما أفصح قادتهم؟
من الجائز أن يهوِّن البعض من شأن ومن خطورة الحرب الدائرة الآن بين التحالف الأنجلو-أمركي بحضارته الزائفة من جانب والإسلام دين الله العظيم ذو الحضارة الخالدة والضاربة بجذورها في العراقة من جانب آخر..، ومن الوارد ألا يصدق البعض أن ما يجري الآن على أرض العراق وأفغانستان وسواهما من بلدان المسلمين هو من قبيل حرب الأديان وصراع الحضارات.
كما أنه من المحتمل أيضاً ألا يعول الكثير على ما جاء على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق “نيكسون” حين قال في كتاب له منذ انهيار الشيوعية: “لقد انتهينا من الشيوعية وما زال أمامنا العدو الأكبر (الإسلاميون)”، وقال فيما يشبه أن يكون توضيحاً: “أما وقد زال العدو الماركسي الشيوعي فقد صار الإسلام هو العدو الأول”، بل ولا حين ترجم الرئيس الأمريكي الحالي “جورج بوش” هذا الكلام إلى واقع عملي بعد أن أعلن صراحة عقب هجمات الحادي عشر من شتنبر 2001 أن “الحرب الوشيكة هذه المرة ستكون حرباً صليبية وأنها ستكون طويلة الأمد”.
إن المرء يجد نفسه مدفوعاً بقوة وثقة منقطعة النظير إلى الاتفاق مع وجهة النظر التي تتردد على استحياء في الشارع العربي والإسلامي والتي تؤكد أن ما جاء في خطط من سبق “بوش”، أو ما جاء في صريح كلام “بوش”، لم يكن زلة لسان.. وليس أدل على إثبات ذلك من أن الاعتداءات على الحياة والأحياء في العراق أرضاً وعرضاً، طالت حتى الآثار القديمة وما يعده التاريخ والجغرافيا ضمن عجائب الدنيا السبع، ولن نتجنى على حضارة أم الديقراطيات (بريطانيا)، ولا على القطب الأوحد رمز الحريات (أمريكا)، فقط ندع الحقائق والأرقام وحدها هي التي تتكلم عن حضارة اللصوص وتشهد على ما يفعله أصحاب أسوأ وأحط وأقسى حضارة عرفتها البشرية.
فإذا كنا لا نستطيع فهم حاضرنا اليوم، أو لا نجرؤ على البوح بما فهمناه؛ فإنه يمكننا استخلاص العبر من تاريخنا القريب، حتى لا تتكرر مآسينا، إذ التاريخ يعيد نفسه.
وحتى نسهم في البحث عن حلول للأزمات التي تعيشها الأمة وحرصا منا على المشاركة في تعميق الوعي لدى أبنائنا وتبصيرهم بما يراد بهم، ارتأينا أن نؤلف بين عدة مقالات تكشف الالتباسات التي يروجها أغلب العلمانيين، وتوضح طبيعة الظروف الحساسة التي نعيشها، موضحين أن لا خلاص للأمة إلا بالرجوع إلى كتاب ربها وسنة نبيها بفهم سلفها الصالح.
والله نسأل أن يجنبنا بلادنا وسائل بلاد المسلمين الفتن والمحن إنه جواد كريم.