ظاهرة الغش بين الأمس واليوم سامية مسلم

يتخبط قطاع التعليم في بلدنا الحبيب في مشاكل لا حصر لها، ولعل أعظمها ظاهرة الغش، ذلك المعول الذي سيهدم صرح التعليم من القواعد، ويحيله إلى أثر بعد عين، إن لم تتم محاربته بالجد والحزم اللازمين.

فما هي الأسباب التي جعلت هذه الآفة تنتشر في وسط الطلاب كالنار في الهشيم؟
وما حكمها في شرعنا الحنيف؟
وما المخرج منها؟
يعرف ابن منظور الغش في لسان العرب بأنه: نقيض النصح، وهو نوع من أنواع الخيانة، وبمثابة نقض للعهد، وتفريط في الأمانة، بل يمكن اعتباره نفاقا عمليا لكون الذي يمارس الغش يضمر خلاف ما يظهر.
وإذا حاولنا البحث في الأسباب الكامنة وراء الغش، يمكن إجمالها في أمرين أساسيين: البعد عن الدين، وانعدام المسؤولية لدى التلميذ والأستاذ على السواء.
إن معظم الأسر المغربية لم تعد تحرص على تربية أبنائها على منهج رب العالمين، بل أصبح هم الغالبية منها -إلا من رحم الله- تدريس أبنائها في المدارس ذات المناهج الأجنبية التي تضمن شهاداتها المراكز الرفيعة في سوق الشغل، أما الأسر ذات الإمكانيات الضعيفة فهمها الأول أن يحصل أبناؤها على الشهادة بأي وسيلة كانت، حتى أن بعض الآباء يشجعون أبناءهم على الغش وشعارهم في ذلك: الغاية تسوغ الوسيلة.
فانقلبت المفاهيم لدى الناس، وأضحى التلميذ الذكي الحاذق هو الذي يتفنن في ابتكار وإتقان أساليب الغش أثناء الامتحانات، حتى أن بعض التلاميذ أصبح يفتخر على أترابه بمستوى إتقانه للغش، وقد كان هذا الغاش، إلى عهد قريب، يستحيي أن يظهر خيانته أمام أصدقائه وأساتذته، فإذا به يصبح في هذا الزمان -زمن تضييع الأمانةـ مفخرة لأهله وأترابه.
فلو ربينا أبناءنا منذ نعومة أظافرهم على الأمانة، ومراقبة الله عز وجل في السر والعلن، ما أضحت مشكلة الغش معضلة يعجز القائمون على شأن التعليم في بلادنا على إيجاد حل لها، بل إنهم يفتخرون بأنهم نجحوا في تقليص نسبة الغش، خلال هذه السنة أو تلك،وكأنهم حققوا إنجازا ذا أهمية كبرى.
إن شرعنا الحنيف يحرم كل أشكال الغش والخيانة، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنفال:27).
وقال صلى الله عليه وسلم: “من غش فليس مني” قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: “الغش محرم في الاختبارات، كما أنه محرم في المعاملات، فليس لأحد أن يغش في الاختبارات في أية مادة، وإذا رضي الأستاذ بذلك فهو شريكه في الإثم والخيانة”. (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز، سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز 6/398).
فهذا شرعنا الحنيف واضح في أحكامه ومقاصده، والله تعالى يريد تزكية النفوس وتطهيرها، فلا يرضى المسلم الحق إلا بالحلال الطيب الذي يرضي الله عز وجل، لذا فلو ربينا أبناءنا على مراقبة الله عز وجل في كل حركاتهم وسكناتهم، لما تجرأ التلميذ على الغش، ولما استخف الأستاذ أو المدير أو غيرهم بمسؤوليته أمام الله تعالى.
إن مما يدمي القلب حقا، ويبعث في النفس الألم والحسرة، أن تجد بعض رجال التعليم والمسؤولين الإداريين أنفسهم يشجعون التلاميذ على الغش، أو ما يطلقون عليه افتراء “التعاون بين التلاميذ أثناء اجتياز الامتحانات”، وإذا ما احتج أستاذ غيور، يعرف قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه، أعفوه من الحراسة حتى لا يشكل الاسثناء الذي يفضح فسادهم، وقد حدثت مثل هذه الممارسات غير المسؤولة في أكثر من مؤسسة تعليمية أثناء الاختبارات.
فكيف نأمل أن يربى أبناؤنا على النزاهة والأمانة والصدق، إذا كان مربوهم يهيئون لهم الأجواء لممارسة الغش بشتى أنواعه؟
وصدق الشاعر حين قال:
إذا كان صاحب البيت للدف ضاربا فلا تلم الصبيان على الرقص
لذا، فلا أحد يستطيع القضاء على ظاهرة الغش، بل وعلى غيرها من مظاهر الفساد في كل القطاعات، إلا بالرجوع إلى الأخلاق التي ربانا عليها ديننا القويم، من صدق وأمانة، ومراعاة كل فرد من أفراد المجتمع لمسؤوليته التي سيحاسب عليها أمام الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *