المصالح الخفية لدعاة “الديانة الإبراهيمية الجديدة” عبد الصمد إيشن

لم تكن خلفيات الدعوة للديانة الإبراهيمية دينية أخلاقية محضة بل تتجاوزها لما هو سياسي بالدرجة الأولى. حيث سمعنا طيلة العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عن دعوات للحوار بين الأديان الثلاثة، وظهرت العديد من الجهود التي تدعم هذه الفكرة الإيجابية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وشاركت العديد من الجهات والمؤسسات الدينية المعتبرة في هذا الحوار، لكننا لم نسمع من قبل عن فكرة الدمج بين الأديان، بل إن البعض تحفظ منذ مرحلة مبكرة على عبارة “التقارب بين الأديان الإبراهيمية” حين استخدمت كبديل لـ”الحوار بين الأديان” على أساس أن التصور العقائدي لأصحاب كل دين يختلف تماماً عن الآخر.

وفي هذا الصدد يقول المفكر الاستراتيجي العربي، فؤاد البطاينة، أن دعاة الديانة الإبراهيمية الجديدة هو أصحاب استراتيجية صهيونية جديدة بعدما فشلت القديمة التي أدت لاحتلال أراضي فلسطين وتفتيت الوطن العربي.

ويضيف أن “الصهيونية الأمريكية واليهودية وبؤر الإنجيلية -تحولت- في أوروبا إلى استراتيجية أخرى بديلة لفرض المبدأ الديني التوراتي بسيرته الخرافية من خارج المبادئ المستقرة. وتقوم هذه الاستراتيجية الجديدة على تطوير استخدام الدين باستبدال مخطط الهجوم الفاشل عليه إلى استيعابه واختراقه واختطافه كعقيدة وقدسية ومقدسات ووضعه تحت جناح اليهودية التوراتية للاستحواذ على الوطن العربي بدءاً من احتلال فلسطين، من خلال خطة وملعوب ما أسموه “الدين الإبراهيمي”، بمعنى أن هذه الإستراتيجية الجديدة تقوم على استبدال المسار السياسي التفاوضي الفاشل والمرفوض شعبياً بمسار الحوار الديني مستغلين هزيمة الدول العربية”.

إذن، نحن أمام استراتيجية وليس مزحة. بل الحقيقة أننا أمام استراتيجية ناعمة وممأسسة إعلامياً وفكرياً وسياسياً وإدارياً على مستوى العواصم الغربية.

التوظيف السياسي لهذه الدعوة الدينية المتناقضة أصلا، يوضحه الباحث في شؤون الأديان، الدكتور، عمار التميمي، بقوله أن الفكرة قديمة، وهي متجددة وإن كانت تأتي اليوم محدثة بالشكل المعاصر الذي يلبي أهداف أصحابها، فحديث التقريب وتغليب الاعتدال والتسامح -مما يشكل ركيزة مشروع الديانة الإبراهيمية- هو ذاته ما تم استخدامه منذ عقود عدة وبأشكال متغيرة.

يضيف الباحث، أن تلك الدعوات هي توظيف سياسي لقضية فكرية ما تزال شائكة، ضمن مشروع واسع وشامل يمتد إلى تسعينيات القرن الماضي، وحاول التشكل عبر منظمات ومراكز بحثية مختلفة، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويشير إلى أنه “ربما انخرط في تلك الدعوات الكثير ممن حملتهم النوايا المخلصة وهدف ترسيخ الاعتدال دون قصد، فكانوا أداة فيها، ومن ثم يمكن القول إنها مواجهة معاصرة لخصم قديم واستراتيجي هو الإسلام”. وأن تحذير شيخ الأزهر كان لافتاً وجريئاً، ويمثل إدراكا ذكيا لحقيقة ومضمون هذه الدعوة التي لاقت رفضا من العلماء المسلمين وحتى النصارى على حد سواء، لافتاً إلى أن “الكيان الصهيوني الغاصب هو من يبادر لها بمختلف واجهاته”.

وينوه الباحث بأن ما يطلق عليه اليوم الديانة الإبراهيمية هو “عنوان براق” لمضمون أقل ما يقال عنه إنه مريب ويثير الشك، ولا سيما في ظل هذا الدعم اللامتناهي لدعاته، وتوفير الحاضنة السخية لكل المنابر التي تتبناه وتدعو إليه. معتقدا أن التوظيف السياسي للقضية هو الأصل، ويراد منه أن يكون “بوابة ومفتاحاً للمزيد من التطبيع بين المسلمين والكيان الصهيوني”، مع عدم إغفال البعد الفكري، مبيناً أن الأمر يهدف إلى “إنهاء ناعم للقضية الفلسطينية، وتقويض حركات الربيع العربي، وفق سياسة ماكرة تستثمر ظواهر الإرهاب والعنف”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *