قرار إغلاق دور القرءان خطأ من اثني عشر وجها الأستاذ محمد أبوالفتح

 لقد كان قرارُ إغلاق دور القرءان ذات التوجه السلفي العلمي في بلدنا الحبيب خطأً فادحا من وجوه كثيرة:

1- أن الدعوة السلفية التي تتبناها دور القرءان دعوة مُتَجَذِّرة وأصيلة في المغرب، ومتعايشة مع الدولة العلوية منذ قيامها، بل إن من ملوك الدولة العلوية من تبنى هذه الدعوة، ومنهم السلطان محمد بن عبد الله، وهو محمد الثالث المتوفى سنة 1204هـ كما صدع بذلك في كتابه “الفتوحات الإلهية”، ومنهم المولى سليمان العلوي المتوفى سنة 1238هـ ويشهد لذلك خطبته الشهيرة التي أمر سائر خطباء مملكته بقراءتها على المنابر، وهي مشهورة مطبوعة، ومنهم السلطان عبد الحفيظ بن الحسن المتوفى سنة 1356هـ، ويثبت ذلك كتابه “كشف القناع”، وكانت لعلماء هذه الدعوة مشاركة في مناصب سياسية حساسة، منهم العلامة المحدث أبو شعيب الدكالي السلفي وزير الأوقاف بالمغرب الذي تتلمذ عليه شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي، والشيخ عبد الله كنون وزير العدل ورئيس رابطة علماء المغرب، والشيخ محمد المكي الناصري وزير الأوقاف ورئيس المجلس العلمي بالرباط وسلا، وغيرهم كثير من علماء هذه الدعوة المباركة (ينظر للتوسع كتاب الشيخ حماد القباج “السلفية في المغرب ودورها في محاربة الإرهاب”).
2- أن الدعوة السلفية لم يسبق لها اصطدام مع ولاة الأمر منذ بزوغ شمس الدولة العلوية، وما ذلك إلا لأن من أصول هذه الدعوة العظيمة طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله، وحفظ بيضة المسلمين ولزوم جماعتهم، طاعةً لله ورسوله، وحرصا على وحدة الكلمة، وحقنا لدماء المسلمين، وحفظا لأعراضهم. وقد تعرضت دور القرءان بعد أحداث 16 ماي المؤلمة لتمحيص شديد من قبل أجهزة المخابرات المختلفة، فلم يُسَجَّل عليها ما يدعو إلى توقيفها بحمد الله، وواصلت نشاطها الإصلاحي بعد الأحداث.
3- أن الدعوة السلفية كان لها دور عظيم في مواجهة المحتل، وتحرير البلاد من براثن التخلف والجهل، فكيف يُتخلى عنها، ويمنع أصحابها من القيام برسالتهم الإصلاحية بعد الاستقلال.
4- أن الدعوة السلفية هي الدعوة التي كانت تواجه التكفير وتناظر أصحابه قبل الأحداث، وتنشر المؤلفات التي تحذر منه، ككتاب “فتنة التكفير”، و”صيحة نذير”، كلاهما للشيخ علي حسن، و”معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة” للشيخ خالد العنبري، وغيرها من المؤلفات، وذلك وَعْيًا منها بخطورة هذا الفكر، ومخالفته لعقيدة السلف، وقد كان ذلك قبل أن تتجند الدولة لمحاربته بعد الأحداث، وللإشارة أقول: إن أصحاب هذا الفكر يحملون في صدورهم شُبها، لا يمكن أن تُقلتع منها إلا بسلاح الحجة والبرهان.
5- أن المغرب أصبح مهددا بالفكر التكفيري قبل أي وقت مضى بسبب تزايد نشاطه مؤخرا في المغرب العربي، وقد اصطلت بناره جارتانا الجزائر وموريتانيا، فإغلاق دور القرءان معناه فتح المجال أمام الفكر التكفيري الذي ينتشر في شبابنا عبر مواقع التكفير في الأنترنيت، فأنا أرى إغلاق دور القرءان-وإني لأعني ما أقول- بمنزلة تجريد المغرب من اللقاح المضاد لفيروس التكفير، في وقت أصبح المغرب مهددا بهذا الداء من جهة الشرق والجنوب.
6- أن إغلاق دور القرءان في شهر نزول القرءان، بل وفي العشر الأواخر منه كان زلة عظيمة، تلقتها جماهير الشعب المغربي بالاستنكار العظيم، ولقد كان مصيبة عظيمة على رواد دور القرءان من حفظة كتاب الله تعالى، فتراهم بعد قرار الإغلاق بين حَزِين كئيب يتقطع فؤادُه هما وغما، وبين مُطْلقٍ العنانَ لدموعه يبكي بكاء مريرا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
7- أن إغلاق دور القرءان التي يتلى فيها كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، جرأة عظيمة على الله تعالى وكتابه الكريم، ونخشى إن لم يتم تدارك هذا الخطأ أن يعُمَّنا الله تعالى بعقابه.
8- أن مثل هذه التصرفات الخاطئة –أعني مثل إغلاق دور القرءان- تُغذي الفكر التكفيري وتخدُمه خدمة عظيمة لا نظير لها، وتسهل انتشاره بين البسطاء من المسلمين ممن لم يتشبع بالعقيدة السلفية انتشار النار في الهشيم، ولعلني لا أكون مخطئا إذا قلت إن دعاة الفكر التكفيري يفرحون بمثل هذه التصرفات، لأنهم بها يثبتون للناس نظرية التكفير، مما يسهل عليهم اصطياد الأتباع.
9- أن الشيخ المغراوي إذا كان قد أخطأ في تفسيره للآية، فيُرد عليه بالحجة والبرهان وأقوال المفسرين من العلماء، ويُرَدُّ عليه خطؤه، عملا بقول الإمام مالك: “كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر” يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وأما أن يُمنع الصبيان من حفظ القرءان لقول عالم أو رأيه، فهذا مما لم تسمع به أذن التاريخ، وأنا إلى يومي هذا لم أستوعب العلاقة بين الأمرين، وأراه من عجائب هذا الزمان، الذي لا تكاد تنقضي عجائبه.
10- أن صدورنا ينبغي أن تكون رحبة لتقبل الخلاف واحترام الرأي الآخر، ما دام المخالف لنا يتمسك بدليل نرى أنه أخطأ في فهمه، كما يدل على ذلك حديث ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يُرد منا ذلك، فذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم” (أخرجه البخاري)، وقد ترك لنا سلفنا من الأئمة الأربعة وغيرهم فقها غنيا بالاختلاف مع تقديرهم وإجلالهم لبعضهم البعض، فالخلاف في مثل هذا لا ينبغي أن يفسد للوُدِّ قضية –كما يقال- خاصة إذا علمنا أن الشيخ المغراوي يقول إن ما صدر منه مجرد تفسير للآية، تابع فيها من سبقه، وليس فتوى أو رأيا يدعو إليه الناس، فالذي يزوج ويطلق هو القاضي كما قال الشيخ، مما يجعل تفسيره للآية شيئا نظريا لا أثر له من الناحية العملية والتطبيقية، فلا أدري كيف تطور الأمر إلى حد رفع دعوى قضائية!؟
11- أن إغلاق دور القرءان التابعة لجمعيات مرخص لها بدون مبرر قانوني، وحكم قضائي يعلل الأسباب، تَعَدٍّ صارخ على الحريات العامة للمواطنين، ومخالفة كبيرة لقانون الجمعيات.
12- أن بلدنا الحبيب المغرب بلد رحب، معروف بالتسامح والتعايش الديني مع غير المسلمين، فَلِم لا يكون لدور القرءان مكان فيه؟! وهل يعقل أن يتسع هذا الوطن الحبيب لليهود والنصارى ويضيق ذرعا بأبنائه من المسلمين المسالمين؟!
وأخيرا نرجو أن يتم استدراك هذا الخطأ الذي قد تترتب عليه مفاسد عظيمة، أظهرها لمن رزق شيئا من البصيرة حرمان الصبيان من حفظ كتاب الله تعالى وتجويده، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يوجد في دار القرءان بمدينة الجديدة ما يقارب 200 صبي تغلي بهم حلق الذكر الحكيم، ومنهم من أشرف على حفظ كتاب الله العزيز، فأين يذهب هؤلاء؟ ومن يتحمل مسؤولية ضياعهم؟ ثم إن كانت دور القرءان قد أخطأت خطأ تستحق عليه عقوبة الإغلاق، أفلا يشفع لها هؤلاء الصبيان الأطهار ببراءتهم وقراءتهم لكتاب الله العظيم؟! أقول: بلى إن شاء الله، ونحن إلى يومنا هذا لم نيأس من ولاة أمرنا، والأمل معقود بعد الله تعالى في ملك البلاد ليعيد الحق إلى نصابه، ويُنصف دور القرءان في مملكته، سائلين المولى تعالى أن يُبقيه دوما ناصرا للقرءان العظيم، وحاميا لحمى الملة والدين، ولله الأمر من قبل ومن بعد، هو حسبنا ونعم الوكيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *