نماذج من مواقف أئمة المغرب من البدع نور الدين درواش

ما زال علماء المغرب على مر العصور يقاومون البدع ويحذرون الناس منها وينفرونهم عنها عملا بما أخذه الله تعالى من الميثاق على أهل العلم من وجوب بيان الحق وعدم كتمانه في قوله: “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ”.
وما كتاب الاعتصام للإمام أبي إسحاق الشاطبي الذي عليه الاعتماد في التأصيل للبدع وردها إلا أنموذج فريد يبين ما للمغاربة من السبق في هذا الباب الجهادي العظيم، وليس هو فقط بل للإمام الطرطوشي كتاب عظيم في الباب وهو الموسوم بـ “الحوادث والبدع” .
ولما ألف أحد غلاة المتصوفة وهو أبو القاسم البكري كتابه “كرامات الأولياء” وشحنه بالضلالات من مثل زعمه رؤية الله يقظة، انبرى له الإمام السلفي أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني فألف في الرد عليه كتابا أسماه: “الاستظهار في الرد على البكرية” وآخر أسماه “الكشف والتلبيس” .
وينقل لنا الإمام القرطبي في تفسيره موقفا مشهودا فقال رحمه الله: “وسئل الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله: ما يقول سيدنا الفَقِيه في مذهب الصوفية، وأعلم -حرس الله مدته- أنه اجتمع جماعة من رجال، فيكثرون من ذكر الله تعالى وذكر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيا عليه، ويحضرون شيئا يأكلونه.
هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين، وهذا القول الذي يذكرونه:
يَا شَيْخ كُفَّ عَنْ الذُّنُوب *** قَبْل التَّفَـرُّق وَالزَّلَـل
وَاعْمَلْ لِنَفْسِك صَالِـحًا *** مَـا دَامَ يَنْفَعك الْعَمَل
أَمَّا الشَّبَاب فَقَدْ مَضَى *** وَمَشِيب رَأَسَـك قَدْ نَزَل
وفي مثل هذا ونحوه.
الجواب: -يرحمك الله- مذهب الصوفية بِطَالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السَّامري، لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خُوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل، وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى، وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق”. الجامع لأحكام القرآن 6/216 وانظر لمزيد بحث “القرطبي والتصوف للشيخ مشهور حسن سلمان.
ولم يكن هذا مقتصرا على علماء المغرب فقط بل اندرج في سلكه حكامهم أيضا، ولقد كان للمرابطين في ذلك القدح المعلى، ومن صور ذلك موقفهم من كتاب “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي حيث أنكروا ما فيه من الضلالات، وأشار الفقهاء على أمير المسلمين آنذاك وهو علي بن يوسف بن تاشفين بإحراقه، فأُحرق في رحبة المسجد الجامع بقرطبة .
وهذا السلطان العلوي الناصح المولى سليمان قدس الله روحه يقول في خُطبته الشهيرة موجِها الأمة إلى ترك بدع المواسم التي ذاع صيتها وعم شرها: “..واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها ملتبسون، والبدع التي يزينها أهل الأهواء والبدع ويلبسون، وافترقوا أوزاعا وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعا، فيما هو حرام كتابا وسنة وإجماعا، وتسموا فقراء وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سَقَرا “قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” وكل ذلك بدعة شنيعة، وسبة وضيعة، وسنة مخالفة لأحكام الشريعة، وتلبيس وضلال، وتدليس شيطاني وخبال، زينه الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتا، وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأقواتا، وتصدى له أهل البدع من عيساوة وجِلالة وغيرهم من ذوي البدع والضلالة، والحماقة والجهالة، وصاروا يترقبون لِلَهْوِِهم الساعات، وتتزاحم على حبال الشيطان وعِصِيِّه منهم الجماعات، وكل ذلك حرام ممنوع والإنفاق فيه إنفاق غير مشروع” اهـ.
فالأمل معقود -بعد الله- على علماء المغرب المعاصرين ليربطوا حاضر الأمة بماضيها ولينْضَموا إلى عقد المحذرين من البدع من الأئمة السابقين وصدق القائل:
وكل خير في اتباع من سلف *** وكل شر في ابتدع من خلف
والله ولي التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *