اماذا حقق الإدماج لجودة التعليم؟ ذ.الحسن العسال

“انطلق البرنامج الاستعجالي كما هو معلوم (2009-2012) لتجاوز تعثر الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وإعطاء نفس جديد لإصلاح التعليم ، وتجاوز اختلالاته المسجلة في العديد من الدراسات والتقارير. 

ومن مشاريع هذا البرنامج، مشروع للتطوير البيداغوجي، الذي يهدف إلى استكمال إرساء المقاربة بالكفايات، وتوفير إطار منهجي لأجرأتها. وتبعا لذلك تم اختيار نموذج بيداغوجيا الإدماج، دون غيره من النماذج الكثيرة، كإطار منهجي، على ما يبدو، لتطبيق المقاربة بالكفايات في التعليم”[1].
وإذا أحسنا الظن ببيداغوجيا الإدماج، هل كانت الخمسة أيام اليتيمة، التي خُصِصت للتكوين، كافية لاستيعابها، والإحاطة بجميع جوانبها النظرية والتطبيقية والتقويمية؟
وإذا لم يكن الأمر كذلك، فهل تمت مواكبة العملية؟
بتجنيد المؤطرين لمعايشة المشاكل عن قرب، قصد تدارس الحلول، وملء الثغرات، وتجاوز النقائص. أو إعادة النظر في المقاربة جملة وتفصيلا، مادامت أنها ليست وحيا منزلا؟!
إلا أن شيئا من هذا لم يكن. بل الذي كان وساد، هو منطق المذكرات من عَلٍ، أما اقتناع المدرس والمدير والمؤطر لا يهم، لأن المهم هو التطبيق، ولو لم يقتنع الفاعلون الأساسيون! وهذا هو مفهوم الديمقراطية في التعليم حسب فهم الوزيرين أخشيشن والعابدة.
لقد وقع ارتباك في جميع مراحل تطبيق هذه المقاربة، فعلى مستوى الزمن تم الإعلان عن موعد في الأسدسين، ثم غُيِّر لصالح موعد جديد، فنشأ عن ذلك عدة مشاكل بالنسبة للأستاذ انعكست على التلميذ، لأن تخصيص أسبوعين للإدماج، كان على حساب أسبوعي تقويم الموارد، فكيف بالتلاميذ الذين لم يتمكنوا من استيعاب الموارد، من أن ينتقلوا إلى مرحلة أعقد، وهي الإدماج!
أما الارتباك في تحديد موعد محدد، منذ بداية السنة الدراسية، فقد أدى إلى ارتباك في تنظيم الزمن وتدبيره بالنسبة للأساتذة، هذا التدبير الذي طالما تحدثت عنه الوزارة، وأصدرت في شأنه المذكرات تلو المذكرات، وحملت المسؤولية في هدره للأستاذ، كما هو ديدنها كلما تراجع التعليم في بلدنا القهقرى.
أما على مستوى التطبيق فهناك ارتباك آخر، حيث شاب كراسات الإدماج تناقض في بعض معطياتها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر بعض الوضعيات فيها تنافر بين السياق والوثيقة: “رحلة في شمال المغرب، النشاط العلمي والجغرافيا، المستوى الرابع نموذجا”.
وهناك خلط في بعض الوضعيات بين المعطيات والتعليمات والتصحيح: “ملابس العيد، الرياضيات، المستوى الثالث نموذجا”.
وهناك وضعيات يطالب التلميذ فيها بأمور فوق مستواه التعليمي: “قانون القسم، الفرنسية، المستوى الثالث نموذجا”.
ثم هناك معلومات لا يمكن أن يعرفها المتعلم[2] من مثل مميزات مدينة إفران، وخصوصيات المنطقة التي توجد بها أحواض الملح! النشاط العلمي والجغرافيا، المستوى الرابع نموذجا.
أما المؤطرون، الذين كان يعول عليهم لمناقشة المشاكل التي يتخبط فيها المدرس مع بيداغوجيا الإدماج، فلم نتمل بطلعتهم، لأن منهم، حسب أحد المصادر المطلعة والموثوقة، من يؤطر -نظريا- في أربع جهات من المملكة، مما يعني أنه لن يؤطر، حتى يكون خادما لسليمان الحكيم عليه السلام، وإلا فتلزمه طائرة للتنقل.
والوزيران المحترمان غائبان عن كل هذا، ولا يهمهما إلا كثرة الأرقام والإحصائيات التي لا يدريان أو يتجاهلان كيف توضع، لأن الضغط دائما يمارس من الأعلى، عوض أن يكون الإقناع، عموديا وأفقيا.
وإذا وصل الضغط إلى آخر حلقاته المتمثلة في مدراء المؤسسات التربوية، لا يكون هم هؤلاء إلا انتزاع أرقام وإحصائيات لا تمت للواقع بصلة، لأن المهم هو تطبيق المذكرات، وإرضاء الرؤساء المباشرين وغير المباشرين، فتذهب الجودة في خضم هذا الضغط في مهب الريح.
يقول الدكتور محمد الدريج: “أن أزيد من 85% من المدرسين المستجوبين في استفتاء وطني للرأي، سجلوا موقفا سلبيا من بيداغوجيا الإدماج. فهم إما غير مقتنعين بها (بنسبة 38(%، أو لم يفهموها (بنسبة 11%)، رغم استفادتهم من الدورات التدريبية الخماسية أو يطالبون بمراجعتها (25%) أو يرفضونها جملة وتفصيلا ويطالبون بإلغائها، بنسبة تفوق 52%. (النسبة هنا باعتماد عدد الإجابات وليس بعدد المستجوبين، راجع موقع منتديات دفاتر التربوية www.dafatir.com والذي أشرف على هذا الاستطلاع الوطني/ماي 2011)”[3].
وهناك مثال آخر يثبت بالدليل القاطع أن أرقام الوزارة هي من وحي خيالها أو أمانيها، يتمثل في أن محمد الساسي، مدير المركز الوطني للامتحانات، صرح بأنه تم تسجيل 407 حالات غش فقط على المستوى الوطني خلال الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد للباكالوريا، برسم الموسم الدراسي 2010-2011، مقابل 516 حالة في السنة الفارطة، مما يمثل تراجعا بنسبة 21 في المائة.
فهل يعقل هذا الرقم؟
لأن الرأي العام الوطني كله يعرف استفحال آفة الغش، فضلا عن أهل الاختصاص، وأعني بهم الأساتذة، والرقم الذي أورد محمد الساسي، واقع، لكنه في ثانوية واحدة من ثانويات المملكة، وعلى ذلك قس، لتعرف كيف يحسب المسؤولون أرقامهم.
إذن هل حقق الإدماج الجودة؟
كلا، إنه زاد الطين بلة، والمشهد التعليمي ارتباكا، والمخطط الاستعجالي ارتجالا، وجعل من الإصلاح تخريبا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] بيداغوجيا الإدماج في سياق تطوير مناهج التعليم: قراءة نقدية؛ الدكتور محمد الدريج.
[2] خصوصا في العالم القروي.
[3] المصدر نفسه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *