الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم قواعد الدين وهو المهمة التي ابتعث الله بها النبيين أجمعين، قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آل عمران، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”. مسلم.
وهذا أمر إيجاب بإجماع الأمة، نقل الإجماع على وجوبه غير واحد من أهل العلم كالجصاص والغزالى وابن حزم والنووي وغيرهم.
وتغيير المنكر عند علمائنا المالكية واجب متعين وفرض متأكد على جميع الناس، كل بحسبه.
قال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة (173): “ومن الفرائض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من بسطت يده في الأرض وعلى كل من تصل يده إلى ذلك فإن لم يقدر فبلسانه فإن لم يقدر فبقلبه”.
وقال النفراوي في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/486): “وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة”.
وقال شهاب الدين القرافي في الذخيرة (13/305): “قال العلماء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إجماعا على الفور”.
وقال القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/233): وقوله: “من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، هذا الأمر على الوجوب، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الإيمان، ودعائم الإسلام، بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. ولا يعتد بخلاف الرافضة في ذلك، لأنهم إما مكفرون، فليسوا من الأمة، وإما مبتدعون، فلا يعتد بخلافهم، لظهور فسقهم، على ما حققناه في الأصول”.
وقال العقباني في تحفة الناظر (27): “أما حكمه ففرض متأكد وواجب متعين، فلا أحد من المخاطبين إلا وقد تعين عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو في نفسه وأهله وعياله”.
واحتج المالكية للوجوب بأدلة، منها قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آل عمران.
وقال تعالى: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ” آل عمران.
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (4/173): الثالثة: قوله تعالى: “تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ” مدح هذه الأمّة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتَواطَئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذَّمِّ، وكان ذلك سبباً لهلاكهم.
وقال تعالى: “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ” الحج.
وقال تعالى: “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ” المائدة..
قال ابن المناصف في تنبيه الحكام (310): “ففي هذا تعيين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من شاهده وعلمه، وفيه أن القيام بذلك من الإيمان، فدل على أن تركه من الضلال وعظيم الخسران”.
وقال ابن العربي المالكي في أحكام القرآن (1/349): “المسلم البالغ القادر يلزمه تغيير المنكر، والآيات في ذلك كثيرة، والأخبار متظاهرة، وهي فائدة الرسالة وخلافة النبوة، وهي ولاية الإلهية لمن اجتمعت فيه الشروط المتقدمة”.
إذن، فعلماء المالكية يعتبرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجب متعين وفرض متأكد على جميع الناس، كل بحسبه.