عقليـة الجرار مصطفى محمد الحسناوي

يتميز الجرار بعجلتيه الكبيرتين الخلفيتين مهمتهما الدفع، ومحركه عالي القدرة، وسرعته البطيئة، وتتلخص معظم أعماله ومهامه في الجر، فهذه هي وظيفته التي من أجلها صنع.
بعض العقليات شبيهة جدا بالجرار، فبالإضافة أنها تُدفع دفعا بعجلات خلفية ومحرك قوي، يستنزف أموالا طائلة نظرا لاتساع خزان وقوده، إلا أنها عقليات بطيئة كسولة لا مهمة لها سوى الجر والاجترار.
مناسبة حديثي اليوم هي الاتهام الخطير للدكتور المغراوي بالإرهاب؛ ولجمعيته بالحزب السري، والذي تكلف بتمريره نائب الأصالة والمعاصرة بالبرلمان المهدي كنسوسي، ولست صراحة لست أدري هل كان في خرجته تلك يقوم بدور المحراث أم بدور الجرار؟
توقفت مليا محاولا فهم هذه الظاهرة الخطيرة التي استفحلت، في أوساط بعض من نصبوا أنفسهم قضاة وشرطة أفكار، ضد كل ما هو إسلامي أو هوياتي، وهم في الحقيقة يقومون بدور أقرب لدور الجرار، حيث رضوا لأنفسهم جر كل الملحقات والمعدات وأدوات الحرث والسحق وعربات رش السموم، التي تستهدف تربتنا وبيئتنا، ولعلي لن أتوقف عند الأمثلة الكثيرة لهذه الظاهرة، ففي هذا المثال الصارخ والفاضح الكفاية.
فأن يعطي برلماني لنفسه الحق في تصنيف الناس واتهامهم وإطلاق أحكام قيمية عليهم دون وجه حق، ويتجاوز الأمر إلى اتهامهم بتهم خطيرة دون بينة ولا حجة أو برهان؛ في الوقت الذي قامت قيامة البعض ولم تقعد حين وصفت الوزيرة بسيمة الحقاوي الكاتب سعيد لكحل بأنه “غير متدين”، وهو وصف لو وصف بعكسه لثارت ثائرته.
بل في وقت يتجه بلد مسلم مثل بلدنا للتنفير من إطلاق لفظ شاذ على الشواذ جنسيا، وتعويضها بمصطلح مثلي، حفاظا على شعورهم وتفاديا للوقوع في التمييز والتصنيف والتنفير وهلم شرا..
قلت أن يحدث ذلك في هذه الظروف، فالأمر حقيقة يثير الاستغراب ويطرح عدة أسئلة ويحطم كل المسلمات، ويشكك في كل الادعاءات، إننا أمام ظاهرة خطيرة، فحواها السعي لفرض نموذج ثقافي وفكري ليس بالتدافع والحوار والجدال والمنافسة وفق شروط وقواعد شريفة، بل من خلال الكيد والمكر وتسخير كل الإمكانات الإعلامية والحزبية والسياسية بل ومؤسسات الدولة، من أجل إقصاء تيار وطني شريف والتضييق عليه وتشويهه والهجوم على رموزه وأطروحاته، والتمكين لرؤية تغريبية بإتاحة المنابر الإعلامية لها وتمكينها منها وفتح باب الحرية أمامها على مصراعيه؛ إلى درجة تستطيع معها اتهام شريحة مهمة من المواطنين ورميهم بكل النقائص في محافل ومنابر تعتبر ملكا للشعب.
وأذكر هنا على سبيل المثال برنامج مباشرة معكم على القناة الثانية المغربية يوم الأربعاء 18 ماي 2011، حيث نصب طالع سعود الأطلسي نفسه مفتيا وقاضيا يقيم ويصنف ويحكم على قطاع عريض من المواطنين يستهزئ بهم ويسخر من لباسهم، ولم يتدخل معد البرنامج جامع كلحسن لتنبيه ضيفه وثنيه عن رغبته الجامحة في الاستهزاء من مواطنين مختلفين معه، كما حدث في حلقة الأربعاء 10 أكتوبر 2012، حين رد على الوزيرة الحقاوي وذكرها بالآية الكريمة {ولا تزكوا أنفسكم}، انتصارا لزميله لكحل!
قضية استغلال المنابر والمحافل للاستهزاء بقناعات فكرية وعقدية وسياسية لشريحة هامة من المواطنين بل من عاداتهم ولباسهم والتحريض على أشخاصهم؛ لم تستفز مؤسسات رسمية المفروض أن هذا دورها لتحرك مساطيرها وآلياتها، لم تستفز دعاة الحقوق والحريات واحترام الإنسان، لم تستفز مؤسسات الدولة للوقوف بحزم في وجه بوادر فتنة تطل بقرونها، وهو الأمر الذي يعتبر بمثابة ضوء أخضر جعل نائبا برلمانيا صوت عليه المواطنون ليهتم بشؤونهم ومطالبهم، فإذا به يقوم بدور الجرار، يجر ويجتر أسطوانة مشروخة قديمة.
حقيقة لا يمكن لعقل أن يتهم جمعية مرخصة بأنها حزب سري، إلا إذا كان عقلا من فصيلة الجرار، وهو العقل الذي قد يجر من بين ما يجر، صاحبه للمحاكمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *