أي فجوة بين التعليم الخصوصي والتعليم العمومي؟ ذ. الحسن العسال

تنص المادة 4 من الباب الثاني من القانون رقم 06.00 بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي، على أن: تلتزم مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي كحد أدنى بمعايير التجهيز والتأطير والبرامج والمناهج المقررة في التعليم العمومي.

كيف يمكن قراءة هذه المادة بشكل صحيح؟
لا يمكن ذلك إلا بعقد مقارنة بين زاوية نظر الوزارة لكل من التعليم العمومي والتعليم الخصوص، لتلوح لك المأساة في الأفق، وإلا ما معنى أن تكون معايير التجهيز والتأطير والبرامج والمناهج المقررة في التعليم العمومي هي الحد الأدنى، بالنسبة للتعليم الخصوصي؟
إن المعنى المستفاد، هو التحقير من شأن التعليم العمومي، وإعطاء الامتياز للتعليم الخصوصي[1]، في ضرب سافر لمبدأ تكافؤ الفرص الذي أكد عليه “الميثاق الوطني للتربية والتكوين”.
وتنص المادة 9 من نفس الباب على أن: يخضع أصحاب مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي للالتزامات المنصوص عليها في قانون الشغل، إزاء جميع مستخدميهم، ما لم ينص على ما هو أنفع لهؤلاء، في عقود عمل فردية، أو اتفاقيات جماعية مبرمة بين أصحاب المؤسسات والمستخدمين أو ممثليهم.
إلا أن الواقع يدل على أن الالتزامات لا يتم الإيفاء بها، في حق العاملين في قطاع التعليم الخصوصي، فضلا عن الارتقاء إلى ما هو أنفع لهم، لأن هذا القطاع أصبح طريقة لجني الأموال، إلا ما رحم ربي، والتكسب على حساب عرق المدرسين، أكثر مما هو قطاع تربوي.
قالت لطيفة العابدة، كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي، إن قطاع التعليم الخصوصي المدرسي يشكل قطاعا تربويا واستثماريا في نفس الوقت، لأنه يساهم في تشغيل عدد كبير من المغاربة، حيث يشغل هذا القطاع حوالي 70 ألف إطار وعون، من بينهم 50 ألف مدرس ومدرسة (80% منهم يشتغلون بشكل قار في مؤسسات التعليم الخصوصي).
وفي هذا إشارة إلى أن التعليم العمومي ليس قطاعا استثماريا على المستوى المادي، بل إنه في نظر المسؤولين يشكل قطاعا استهلاكيا، واستنزافيا لميزانية الدولة، على الرغم من إشارة الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى أن التعليم هو استثمار في رأس المال البشري، أي أنه استثمار على المدى الطويل والبعيد، باعتباره قاطرة التنمية، التي يجب أن تقود المغرب إلى مصاف الدول المتقدمة، كما هو الأمر -واقعا- عند اليابان! اليابان! أستغفر الله من هذه المقارنة!
أما إذا انتقلنا إلى مقررات هذه المؤسسات الخصوصية، فالطابع الغالب عليها هو الطابع الفرانكفوني بامتياز، لأنها تركز على اللغة الفرنسية، إضافة إلى اللغة الإنجليزية، بينما ترتب اللغة الوطنية، المتمثلة في العربية الفصحى، في الدرجة الثانية، وكأنها هي اللغة الأجنبية. والغريب في الأمر أن كتب اللغة الفرنسية المقررة بهذه المؤسسات، هي من إنتاج فرنسي!
ولا أحد تكلم عن الخصوصية المغربية في هذا المضمار، كما سيكون الحال لو أن الأمر كان معكوسا، وتم استيراد مقررات اللغة العربية من إحدى الدول العربية، لتدعيم لغتنا القومية، التي لا يخصَّصُ لها سوى هامش زمني محدود؛ كما كان الأمر في مدارس الأعيان والبعثات زمن الاستخراب الفرنسي.
فهل التاريخ يعيد نفسه في زمن ما بعد الاستقلال؟[2]
أما التربية الإسلامية فحدث ولا حرج، عن التهميش شبه المطلق الذي يطالها هي الأخرى.
ومن المفارقات أيضا الاهتمام بالمعلوميات في التعليم الخصوصي، عكس ما هو حادث في التعليم العمومي. على الرغم من أن التعليم الخصوصي لازال لا يشكل إلا نسبة 9% من التلاميذ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – والدول الرائدة في هذا المجال تقوم بالعكس.
[2] – مصطلح “ما بعد الاستقلال” استعرته من المفكر الكبير الدكتور المهدي المنجرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *