من دعاوى أصحاب هذا الانحراف أن ميلهم هذا أمر ولدوا به فهو في “جيناتهم” وطبعهم، لكن الذي خلق الإنسان وهو أعلم بما خلق يُكَذب هذا، إذ أخبرنا سبحانه وتعالى بأن قوم لوط كانوا أول من اخترع هذه الفاحشة، “أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ؟ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ”.
فلو كانت أمراً “طبيعياً” لما ذمهم الله تعالى على فعله، لكن العلمانيين عن سوء قصد ونية يستغلون وجود الخنثى من الرجال والمسترجلات من النساء ليسوغوا ما اعتبره الشرع جريمة رتب الله عليها حدا من الحدود، مستعينين في ذلك بحقائق علمية مقطوع بعدم صحتها ونزاهتها.
الشاذون جنسيا يريدون اليوم الانتقال من مرحلة الاستخفاء بهذا الأمر إلى مرحلة المجاهرة به، فكذلك فعل قوم لوط: “..وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ” إن كل ما يطالب به أصحاب هذا الميل اليوم هو أن لا يضطرهم المجتمع للاستخفاء بأمرهم، وأن يعدهم رغم مجاهرتهم بحالهم أناساً عاديين أسوياء، لهم ما لغيرهم من الناس في المجتمع من حقوق الزواج والاحترام، والعمل في كل مرافق الدولة العسكرية والسياسية والتعليمية والدبلوماسية.
يقول بعضهم: لماذا تتدخلون في أمر أفعله في غرفة نومي؟
ما الفرق بين أن يفعل الإنسان هذه الفعلة مع شكله، رجلاً كان أو امرأة، أو أن يفعله مع الشكل الآخر؟ إنه محض تعصب لأمر موروث.
إن حقيقة ما يطالب به الشواذ وأبواق العلمانية ليس أن يفعلوا ما يفعلونه سراً وفي غرف نومهم، فإن ما يفعلونه سراً أمر لا يحتاج إلى إذن، وإنما ما يطالبون به الآن هو أن يسمح لهم بأن يعلنوا أنهم من هذا الصنف، بل أن لا يعترض المجتمع على سلوكهم المعلن الذي يدلُّ على هذا الانحراف.
إن المجاهرة بالفواحش أشد نكراً من الاستتار بها لأنه يسئ إلى الأسوياء من الناس، ولأنه يغري الضعفاء منهم بارتكاب ما يرتكبه هؤلاء المجاهرون.
كان حال قوم لوط –كما قصه علينا ربنا- يدلنا على أنه حتى هذا الاستعلان ليس هو نهاية الطريق، وإنما هو مرحلة أولى، تليها –إذا لم يجدوا من يردعهم- مرحلة الاستعلاء.
وإذا صار المنحرفون هم الأعلون في المجتمع ضاقوا بالصالحين من الناس، ولم يسمحوا لهم بأن يشاركوهم السكن في بلد واحد، قال شواذ قوم لوط كما حكاه ربنا عز وجل: “فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ”.
بل إنهم سيذهبون إلى أبعد من هذا: سيتواطئون على إذلال بعض هؤلاء الصالحين بارتكاب هذه الفاحشة معهم قسراً، إن هم استطاعوا ذلك.
فهذا رسول الله لوط عليه السلام لما جاءته الملائكة في صور رجال حسان الوجوه، اكتأب لمجيئهم لأنه ظنهم رجالاً حقيقيين، ولأنه كان يعلم ما سيحدث لهم من قومه الشواذ، وقد حدث ما توقع، فإنه ما إن تسامع بهم قومه حتى جاؤوا يلهثون مسرعين، فعرض عليهم لوط أن يتزوجوا بناته –إما بناته من صلبه أو بناته بمعنى بنات قومه- وأن لا يحرجوه ويخزوه مع ضيوفه:
“وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ، وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ؟ لكنهم أجابوه في صفاقة “قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ” أي من حاجة “وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ”، “قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ”.
إن أصحاب الشذوذ الجنسي يطالبون اليوم بأن يعد القانون علاقة أحدهما بالآخر علاقة زواج، وأن يعطيهم كل الحقوق التي يعطيها للمتزوجين، لكن الذي نعرفه من حال قوم لوط أن هذه الفاحشة من طبيعتها الإباحية المطلقة عدم التقيد بقرين واحد، أو عدد محدود من القرناء، بل إن أحدهم إذا استمكن منه هذا الانحراف لا يعود يعرف لممارسته حد، إنه حين يسمع بما يثير شهوته يصيبه نوع من الجنون، فيندفع لارتكابها مع أي إنسان رضي بذلك أم لم يرض، وتأمل قوله تعالى في وصف حالهم وهم مقبلون على أضياف لوط عليه السلام “وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ” أي يسرعون المشي إليه لطلب الفاحشة، إنها فاحشة من طبيعتها الإسراف ومجاوزة الحد:
“إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ”
فأصحابها لا يكتفون بممارستها ممارسة فردية، بل إن متعتهم بها لا تتم إلا إذا تعاطوها تعاطياً جماعياً، وهذا حاصل في البلاد التي قننت الشذوذ واعترفت به.
نسأل الله السلامة والعافية ونسأله تعالى أن يجعل المغرب بلدا آمنا سالما من هذه البلايا والرزايا التي يجرنا إليها بنو علمان جرا.