الدول الغربية والحرب ضد المسلمين وحضارة الإسلام

يدرك أي منصف أن الإسلام جاء بأعظم حضارة عرفتها الإنسانية، وأن ما يفعله أعداء الإسلام الآن ومنذ زمن بعيد بالمسلمين -الذين أضحوا بتخليهم عن ثوابت دينهم على رأسها عقيدة الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين كالأيتام على مائدة اللئام- هو في الصميم من قبيل صراع الحضارات، ومن شديد ما يؤسف له أن جميع هذه القوى المعادية على اختلاف توجهاتها أخذت مواقفها المعادية للإسلام دون قراءة متجردة وواعية له ولا معرفة لقيمه ومبادئه، وقد أداها ذلك لأن تتنكر له وتجحد فضله على العالمين وتشوه صورته وتتعامى عن حضارته التي طبقت شهرتها الخافقين، كما أداها عداؤها للإسلام لأن تتظاهر- بجهالة وفي أغلب الأحيان عن عمد- بالعجز عن أن تتعايش أو أن توفق أوضاعها مع أمته التي تفوق في تعدادها خمس سكان الأرض وكان المبرر الوحيد لها في معاداتها هو- إلى جانب الحقد- عدم وجود من تعاديه بعد انهيار الشيوعية.

مذبحة “سربرنيتشا” والحماية الدولية للمسلمين
لقد أثار اعتراف حكومة صربيا لأول مرة في منتصف أكتوبر من العام 2004 بالمذبحة التي راح ضحيتها أكثر من سبعة آلاف مسلم بوسني في مدينة (سربرنيتشا) وحدها، وتسليم أحد من قاموا بتعذيبهم نفسه إلى محكمة العدل الدولية، وكذا شهادة (نيك كاميرون) ضابط القوات الخاصة البريطانية التي اعترف فيها قبل ذلك بعامين تقريباً بحقيقة ما جرى في (سربرنيتشا) عام 1995- يعني في العقد الأخير من القرن الماضي ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين وبداية الألفية الثالثة- من ذبح أكثر من 7000 مسلم في أبشع مجزرة ترتكبها أوربا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على مرأى من قوات الأمم المتحدة الدولية ومسمع من العالم كله.. أثار ذلك في نفس كل مسلم شؤوناً وشجوناً.
يحكي هذا الأخير الذي قُدر له أن يكون ضمن قوات الأمم المتحدة، قصة الصراع الدائر في قلب أوربا بين حضارة الإسلام وتلك الحضارات التي تدعي لنفسها التقدم والرقي والمدنية فيقول: “لقد خَدعْنا الجنود المسلمين، فنحن قوات الحماية الدولية بدلاً من أن نوفر لهم الأمن والحماية غررنا بهم وسلمناهم للصرب”، ويعبر (كاميرون) في لحظة تأنيب ضمير عن هذا الماضي القريب الذي “ما زال يصرخ من تحت الأنقاض ويئن بأوجاع السبعة آلاف جثة المتحللة التي أردتها نيران المدفعية الصربية وقنابلها الغادرة، مخلفة وراءها مقابر جماعية للمسلمين”، فيضيف أن ذاكرته “ما زالت تحمل آلاف الصور المأساوية لآثار تلك الحرب المدمرة.. أشلاء الضحايا المسلمين المتناثرة في كل مكان.. وذلك الدخان الأسود الذي كان يغلف السماء”، ولأي منصف أن يعترف لمثل هذا ولأضعاف أضعافه للأشاوس الأمريكان والإنجليز الذين كتبوا بما ارتكبوه من فظائع في الفلوجة والموصل وأفغانستان وغيرها من بلاد المسلمين شهادة الوفاة للأمم المتحدة، وندع (كاميرون) الآن يواصل حديثه ليكشف عن الوجه القبيح والحقيقي لحضارة الغرب، يقول: “إنه قضى شهوراً طويلة لا يستمع إلا لطلقات الرصاص والبنادق ولا يرى سوى قذائف الصرب التي كانت تتوالى تباعاً فوق أشباح الموتى وهي عطشى لمزيد من الجثث من الرجال والنساء والأطفال المسلمين في مذبحة (سربرنيتشا) المروعة”، ويفصح (كاميرون) عن “أن عملية التلاعب بالألفاظ في مفهوم الحماية الدولية كانت هي المفتاح الذي استخدمه الغرب لإطلاق يد صرب البوسنة الغادرة لتصفية المسلمين في تلك المدينة”، فقد كان يعتقد في البداية أنه ذاهب مع باقي أفراد القوة لحماية المسلمين في هذه المنطقة ضد هجمات الصرب، تماماً كما حدث إبان حرب الخليج عندما تصدت قوات الأمم المتحدة بكل ضراوة ضد اعتداءات صدام حسين، ويتساءل في حزن عميق: “ألم يكن من المفترض أن تقوم الأمم المتحدة بنفس هذا الدور الحاسم لردع الصرب؟”، لكن اتضح وفقاً لما ذكره أن الأمر يختلف، ويعبر عن تلك اللحظة القاسية بقوله: “أما أنا فكنت أعرف الحقيقة المرّة، نحن من سهلنا للصرب مهمتهم، نحن من تلاعبنا بالألفاظ في مفهوم الحماية الدولية”.
لكن يزول استغراب (كاميرون) عندما نعلم ويعلم هو أن ما جاء على لسانه يعكس لب الصراع الدائر الآن والذي فرضه الغرب الحاقد وكل من سار على دربه لحرب الإسلام ومعاداة أهله والنيل من كل ما يمت إليه بصلة، كذا دون ما مبرر يعقل ودون ما سبب يذكر.
إزاء هذه الأعمال البربرية والأوضاع الهمجية أجمع المراقبون الدوليون من كل جنس أن الذي جري في هذه الآونة شيء يصعب إيجاد وصف مناسب له، وربما لو اطلعوا على ما فعله الأمريكان وتحالفه البغيض بقيادة (بوش) و(بلير) فيما بعد في مسلمي الفلوجة وأبو غريب و”جوانتانامو” فيما أسمياه بالحرب الصليبية الثالثة لتغيَّر رأيهم.

تقرير (شفارتز) عضو البرلمان الألماني حول مذبحة “سربرنيتشا”
لبيان ما جرى في البوسنة نستأنس بتقرير (شفارتز) عضو الحزب الديمقراطي المسيحي وعضو البرلمان الألماني الذي ورد في إحدى نشرات منظمة البر الدولية تحت عنوان (رأيت بعيني) وفيه يقول: “رأيت طفلاً لا يتجاوز عمره الثلاثة أشهر مقطوع الأذنين مجدوع الأنف، رأيت صور الحبالى وقد بقرت بطونهن ومُثل بأجنتهن، رأيت صور الشيوخ والرجال وقد ذبحوا من الوريد إلى الوريد، رأيت الكثيرات ممن هتكت أعراضهن، ومنهم من تحمل العار ولم يبق لولادته سوى أسابيع، رأيت صوراً لم أرها على أية شاشات تليفزيونية غربية أو شرقية، وأتحدى إن كانت عند هؤلاء الجرأة والشجاعة لبثها”، وما أشبه الليلة بالبارحة فما يعاود الغرب فعله بمسلمي أفغانستان والعراق و”جوانتانامو” لا يقل بشاعة عما فعله الصرب.
والذي لا شك فيه، أن ما رآه (شفارتز) وسبق أن تعجب له (كاميرون) لا يساوي شيئاً بالنسبة لما حجب عنهما، فهما معذوران في عدم دقة ما وصفاه لأنهما لم يريا وحوش الصرب يقطعون- حين قتلهم المسلم البوسني- أصبعين فقط من أصابع يده ويتركون الثلاثة الباقية علامة التثليث.. ولا وهم يدهمون القرى فيبدؤون أول ما يبدؤون بتدمير ودك المساجد بالمدافع والدبابات وأحياناً عن طريق القذائف والمتفجرات التي يضعونها بداخلها، كما كانوا يبالغون في تعذيب حفظة القرآن وأئمة تلك المساجد ويذبحونهم في أغلب الأحيان على مرأى ومسمع ويمثلون بجثثهم.. ولا وهم يأخذون أطفال البوسنة إلى كندا وأمريكا والغرب ليتم تنصيرهم داخل الأديرة ولا يسمح بزيارتهم إلا للقساوسة.. ولا وهم يقومون بنحر المجموعات التي كانت تحاول الهرب بعد الإمساك بهم.. ولا وهم يلقون بمئات الجثث في الأنهار وأحياناً يتركونها في الشوارع والطرقات، فما يكون مصير من يحاول أخذها ليدفنها إلا نفس المصير.. ولا هم يقومون بإجبار امرأة مسلمة على شرب دم ابنها الصغير بعد قتله أمامها.. ولا هم يقومون بحصد 20 ألف مسلم في 31/ 10/ 92 خارج (يابيتش) والاستمتاع بقتلهم بعد حصارهم- حسب إذاعة لندن الذي وصفت هذا العمل بأنه انتهاك خطير لحقوق الإنسان..
وبدا واضحاً أن تلك هي حقيقة النظام الذي يدعي أنه عالمي وحيد، والحضارة التي تدعي أنها لا تفرق بين الناس على أساس الجنس أو اللون أو الدين، والقول باعتذار حكومة الصرب فيما بعد يكذبه واقع انخراطها الآن مع حكومات الغرب في إرسال جنودها وعدتها وعتادها لحرب المسلمين في العراق وأفغانستان.

بين حضارة البناء وحضارة الهدم
لقد انتشرت الفتوحات الإسلامية من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً، ومن جبال القوقاز شمالاً إلى أواسط أفريقيا جنوباً.. ولم يجرؤ مؤرخ مهما كان مغرضاً أو حاقداً على الإسلام وحضارته أن يتهم جيشاً عربياً أو إسلامياً بفعل شيء من ذلك أو بارتكابه جرائم حرب أو قيامه بإبادة جماعية ضد سكان بلدة أو جزيرة مهما كانت نائية أو صغيرة أو تافهة كما فعل الصرب في البوسنة، وكما يفعل اليهود في فلسطين، والأمريكان والبريطانيين في الفلوجة والبصرة والرمادي والنجف وبعقوبة والموصل وتلعفر وبغداد وغيرها، وكما يفعل كل أولئك ومن كان على شاكلتهم بمسلمي البلاد التي يستعمرونها شرقاً وغرباً غير مكتفين بالزج بهم داخل سجون أوطانهم، ولا بنهب نفطهم وخيراتهم بحجج واهية استنكرها المنصفون ممن هم على دينهم وقام أقرب الناس إليهم وأخلصهم لبني جلدتهم بتفنيدها، لكونها في جملتها ذرائع لا تنطلي على من عنده مسكة من عقل أو مثقال ذرة من ضمير، ولكونها في مجموعها حجج هي أوهى من نسج العنكبوت..
وعلى أولئك المبهورين بحضارة الغرب من أهل الطابور الخامس -العلمانيين- أن يراجعوا بأنفسهم التاريخ ويقرؤوا ما فعله عمر بالنصارى عند فتحه بيت القدس، وما فعله صلاح الدين بهم عند تحريرها، ليتأكدوا من صدق ما نقول، وليميزوا بين الحضارة الحقيقية المتمثلة في عظمة الإسلام وقيمه ورجال الإسلام.. وتلك الحضارات المعاصرة الزائفة التي بنيت على الهمجية والبربرية واستلاب أراضي الغير ونهب ثرواتهم دون وازع من ضمير ولا احترام لقيم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *