التطبيع ومشاريع التقسيم مصطفى الحسناوي

مشروع التقسيم والفوضى الخلاقة، هو الكابوس المرعب الذي قد يحل ببلداننا فيحيلها يبابا، فبعد التنظير لمشاريع الشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الجديد، والنظام العالمي الجديد، وغيرها من العناوين التي تخفي مؤامرات ومخططات، أصبح الطريق سالكا لتنزيل تلك النظريات على جغرافية أراضينا، وتنفيذها بالآلة العسكرية والاختراقات الأمنية، وحتى المشاريع الاقتصادية فضلا عن المجالات الفكرية والثقافية والإعلامية. حتى أن مجلات وجرائد أمريكية، تروج في كل مرة من المرات، في الفترة الأخيرة لخرائط جديدة للعالم العربي والإسلامي، فيها ضعف أو ضعفي الدول القائمة، تقسيم للمقسم وتجزئ للمجزء.

قبل أقل من سبعين سنة استطاعت الحركة الصهيونية، بدعم غربي، تأسيس دولة خاصة باليهود، جمعت شتاتهم من بقاع الأرض، واستولت على بقعة أرضية، وظلت تقضم قرى وبساتين، وتهجر أصحابها أو تبيدهم، وظلت تتمدد وتتمدد، ولازالت باقية لحد الساعة، مثل سرطان في جسد الأمة الجريح، فكان قيام تلك الدولة إيذانا بالتقسيم والفوضى، وعنوانا لها.

ومنذ أن قامت تلك الدولة وهي ترتكب الجرائم التي لا تعد ولا تحصى في حق العرب والمسلمين، بلغت درجة الجرائم ضد الإنسانية، وتجتهد الآن، مدعومة بحلفائها، ليقبل العرب والمسلمون تلك الجرائم، ويطبعوا معها، فالتطبيع مع الكيان الصهيوني، هو بناء علاقات رسمية وغير رسمية، سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية واستخباراتية مع هذا الكيان المغتصب.

التطبيع إذن هو تسليم بمشاريع التقسيم والفوضى الخلاقة، وإنجاح وتشجيع لها.

والتطبيع هو تسليم للكيان الصهيوني بحقه في الأرض العربية بفلسطين، وبحقه في بناء المستوطنات وحقه في تهجير الفلسطينيين وحقه في تدمير القرى والمدن العربية.

والتطبيع مساهمة في بناء الشرق الأوسط الكبير الذي يقوده الكيان الصهيوني، وهو الهدف الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية منذ بدايات التطبيع.

إن الكيان الصهيوني قام على القتل والسرقة والتدمير والاغتصاب، ولا يزال مستمرا بهذا الأسلوب فكيف نقبل بتطبيع معه؟ فإذا قبلنا فكأننا نضع أمننا واستقلالنا واقتصادنا وثرواتنا في طبق نقدمها هدية إلى عدونا.

تجعل بعض الأنظمة الحاكمة من التطبيع مدخلا لحل بعض مشاكلها، وفي هذا الإطار يمكن فهم محاولات تطبيع العلاقات بين المغرب و”إسرائيل” والتقرب منها، ربما كأحد المداخل لحل مشكلة الصحراء، وهي مجازفة خطيرة ولعب بالنار، يمكن أن يأتي بنتائج عكسية.

فبالإضافة لتجاهل كل محاذير التطبيع التي ذكرنا، فإن المطبعين من الذين تربطهم بالصهاينة أواصر وعلاقات لا نستطيع فهم كنهها، يخاطرون بجعل هذا الملف الحساس بأياد مجرمين قتلة، لهم تاريخ في التقسيم والتجزيء، وتعريض وطننا لمخاطر جمة، أقلها الاختراق الصهيوني لبلدنا وتمكينه من اللعب بأوراق الريف والصحراء، وقضايا وملفات وأخرى، ومعلوم أن الحركة الصهيونية تعمل على استقطاب وتوظيف شخصيات ورموز وأقلام، لخلق لوبيات ضاغطة مناصرة لها داخل بلدنا تروج من خلالها مشاريعها الهدامة، تحت مسميات وشعارات براقة.

إن خيارنا الوحيد الذي جرّبته الأمة وبث الرعب في قلوب الصهاينة، وكبّدهم هزائم متتالية، ودفع بالكثير منهم إلى التفكير في مغادرة فلسطين، وحرر جزءا من الأرض ويمكنه تحرير ما تبقى هو خيار المقاومة، مقاومة الفساد والاستبداد والصهيونية، وإن خيارنا لحل مشاكلنا الداخلية، هو بأيدينا وحدنا، بفتح مجال الحرية، وإتاحة الفرصة لأصحاب الآراء أن يدلوا بآرائهم، بالتشبث بالهوية والالتحام بالشعب، والاستماع لنبضه وحل مشاكله، الحل أن نطبع مع بعضنا أن يطبع النظام مع الشعب، وتطبع الأحزاب مع الشعب، وتطبع النخب مع الشعب، ونفوت الفرصة جميعا على من يتربص بأوطاننا وأمتنا.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *