مذهب الإمام مالك بن أنس، اختار المغرب هذا المذهب رسميا منذ أربعة عشر قرنا، فقد كان المذهبان الحنفي والأوزاعي يتقاسمان الغرب الإسلامي، إلى أن دخل أصحاب مالك وأبرزهم سحنون بن سعيد التنوخي فغلب مذهبه في هذه الرقعة الجغرافية.
وقد كان لدخول كتاب “الموطأ” المغربَ، على يد عامر القيسي في عهد المولى إدريس الثاني، الأثر البارز في نشر المذهب، وتبنيه رسميا من طرف الدولة. كما كان لتأسيس جامع القرويين سنة (245هـ) الفضل في تطوير وترسيخ دعائم وأركان المذهب، وإعداد نخبة من العلماء خدموه تأصيلا وتفريعا وتنظيرا..
ويقسم الباحثون الأصول التي ينبني عليها مذهب مالك رحمه الله إلى ثلاثة أقسام:
نقلية: وهي القرآن الكريم، والسنة النبوية، وعمل أهل المدينة، والإجماع.
وعقلية: وهي القياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، والعرف والعادة، والاستصحاب.
إضافة إلى النظر المقاصدي.
ويعد الموطأ للإمام مالك بن أنس أبرز كتب المذهب، إضافة إلى المدونة الفقهية الكبرى للإمام سحنون بن سعيد، وكتاب المجموعة لمحمد بن إبراهيم بن عبدوس، والنوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات لابن أبي زيد القيرواني.
وقد ظل هذا المذهب على تعاقب الدول واختلافها المرجع في الحكم والفتوى والتشريع، ومن تتبَّع الرسائل والمؤلفات وكتب النوازل والفتاوى الفقهية المغربية، كنوازل الوزاني والعلمي والونشريسي والبرزلي تبين له أن مذهب مالك كان هو المرجع الوحيد المعتمد في البيع والشراء، والقضاء والأحكام، والتشريعات والعلاقات الديبلوماسية، والحرب والسلم وأمور السياسة..
ظل الأمر على هذا الحال حتى دخول الاحتلال الفرنسي الذي غير البنيات التشريعية ونظّٓم كل الميادين بقوانين مستمدة من القانون الفرنسي، وأنشأ المحاكمٓ المدنية على أنقاض المحاكم الشرعية، وغيّر مقررات التعليم، وأقصى العلماء، فحوصر بذلك المذهب ليقتصر دوره على بعض الأمور التعبدية والأحوال الشخصية التي لازالت الحرب العلمانية قائمةً عليها إلى يومنا هذا.
وبعد الاستقلال طالب العلماء بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية والعمل بالمذهب، فاستجابت الدولة وتم إحداث لجنة لملاءمة القوانين مع ما تنصّ عليه الشريعة الإسلامية، غير أن عملها لم يكتمل وأجهض هذا المشروع في مهده.
فإذا كان المذهب المالكي في تاريخ المغاربة يعني المرجعية التشريعية التي يستمد منها القضاة والمفتون أحكامهم وفتاويهم، فهل يمكننا مع الحالة التي تعيشها المجتمعات والدول الإسلامية وتبنيها للقوانين الوضعية أن نتحدث عن مشاريع لإحياء المذهب المالكي؟؟
المذهب المالكي هل هو تعبد فردي أم انضباط عام بأحكام الشريعة الإسلامية؟
أي علاقة تربط المذهب المالكي بالسلفية؟
وما موقف المذهب مما يثار مجتمعيا اليوم، مما ترفعه الحركة الحقوقية من مطالب حرية الاعتقاد.. والحرية الجنسية.. والمجاهرة بالإفطار العلني في رمضان.. وتغيير نظام الإرث؟
ثم على أرض الواقع، هل الخيار بالنسبة للمواطن المغربي حاصل بين الحنبلية والمالكية؛ أم يعيش هذا المواطن فرضا للعلمانية وتغييبا للشريعة الإسلامية والمذهب المالكي عن أغلب مناحي الحياة؟
أسئلة نحاول أن نجد لها إجابات عند علماء ومفكرين ومهتمين بالمجال الديني في المغرب.