يوجد داخل المجتمع اليهودي أفراد وجماعات يعارضون بشدة الأيديولوجية الصهيونية، ويتحدون فكرة إنشاء وطن حصري لليهود في أرض فلسطين التاريخية.
ونجد يهود منخرطين في حركات سياسية ومدنية ضد اسرائيل وضد الصهيونية، كما نجد مثقفين يهود يشاركون كتبهم ومقالاتهم المناهضة للاحتلال في الجامعات ووسائل الإعلام والمنابر الثقافية.
ومن هذه الحركات، ناطوري كارتا (Neturei Karta)التي تعني بالآرامية “حارس المدينة”، وهي حركة دينية يهودية مناهضة للصهيونية، ولا تعترف بدولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعتبر أن قيام دولة لليهود لا يكون بسلب شعب آخر أرضه، ولا يكون إلا بإذن من الرب، وذلك بعد أن يرجع اليهود إلى تطبيق شريعتهم التي عاقبهم الرب لمخالفتها، وشتتهم في الأمصار وبين شعوب الأرض بسبب تضييعها.
يعتمد فكر ناطوري كارتا بشكل أساسي على الأدب الحاخامي الذي ينص على أن “اليهود طردوا من أرض إسرائيل بسبب خطاياهم”.
ويعتمد أيضا على التلمود البابلي الذي يفترض أن “أي محاولة لاسترداد أرض إسرائيل بالقوة هي مخالفة للإرادة الإلهية، وأن عودة إسرائيل لا تكون إلا بقدوم المسيح”.
أيضا نجد منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام (JVP)وهي منظمة شعبية متنوعة تهدف إلى تعزيز السلام والعدالة والمساواة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين. على الرغم من أنها لا تعارض بشكل صريح وجود إسرائيل، إلا أنها تعارض احتلال الأراضي الفلسطينية وتدعو إلى حل عادل ودائم يحترم حقوق وكرامة جميع الناس في المنطقة.
وتأسس “الصوت اليهودي من أجل السلام” في عام 1996 في منطقة خليج سان فرانسيسكو على يد نشطاء مناهضين لإسرائيل، بما في ذلك توني كوشنر ونعوم تشومسكي. وعلى غرار المنظمتين الصهيونيتين J Street وAIPAC، فإن JVP هي حركة وطنية تضم نشطاء طلابيين في الجامعات.
إذا لم يكن الآنIf Not Now حركة من الشباب اليهود الأمريكيين الذين يعملون على إنهاء دعم مجتمعهم لاحتلال الأراضي الفلسطينية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأوسع. ظهرت المنظمة رداً على حرب غزة عام 2014 وشاركت منذ ذلك الحين في حملات مختلفة، بما في ذلك معارضة المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل.
وتسعى المنظمة إلى تحدي الوضع الراهن داخل المجتمع اليهودي الأمريكي وتعزيز المحادثات حول العدالة والمساواة في المنطقة من خلال عقد مسيرات مناهضة لإسرائيل في الأيام التي تلت العدوان الإسرائيلي الأخير.
يهود من أجل العدالة للفلسطينيين (JfJfP)مقرها المملكة المتحدة، هي مجموعة من الأفراد اليهود الذين يدعون إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وتدعم المنظمة السلام العادل والدائم الذي يتناول حقوق وأمن كل من الإسرائيليين والفلسطينيين. وتشدد المنظمة على أهمية التعامل مع المجتمع اليهودي الأوسع وتعزيز الحوار حول تعقيدات الصراع.
تأسست المنظمة في 17 فبراير 2002 على يد الأكاديمية البريطانية إيرين بروجيل، ابنة اللاجئَين اليهوديين الألمانيين، وشريكها ريتشارد كوبر، مع عديد من الأصدقاء اليهود، معظمهم من الإناث، بعد أن أجرت بروغل جولة في الضفة الغربية.
مثقفون يهود ضدّ “دولة” إسرائيل
وكانت هناك معارضة من كثير من الوجوه الثقافية اليهودية المناهضة للصهيونية السياسية. ولعلّ من أبرز هؤلاء مؤسّس وأوّل رئيس للجامعة العبرية في القدس يهوذا ليون ماغنيس (1877–1948). وقد اعترض على تقسيم فلسطين إلى دولتين، ودعا إلى دولة ثنائيّة القومية. وكذلك الحال بالنسبة إلى زميله في الجامعة العبرية الفيلسوف مارتن بوبر (1878–1965) الذي اعترض على تكوين دولة يهودية، وكان يسعى إلى تشكيل كيان سياسي يجمع بين المواطنين الفلسطينيين واليهود المهاجرين الذين استوطنوا البلاد.
أبراهام السرفاتي: رغم ما تعرض له السرفاتي من اضطهاد ورغم أنه يهودي الأصل، فإنه لم يفكر يومًا في الهجرة إلى “إسرائيل” في الوقت الذي كان يلح عليه العديد من المقربين منه، هربًا من موجات الاعتقال التي يتعرض لها في بلاده.
وقد عُرضت عليه الجنسية الإسرائيلية أكثر من مرة لكنه رفض، بل كان معارضًا لقانون العودة الذي يتشدق به اليهود في مختلف أنحاء العالم للهجرة والاستقرار في فلسطين المحتلة، وعلى النقيض تمامًا كان الرجل من أكثر المعادين للصهيونية.
سيون أسيدون: فتحت حرب 1967 وعي الناشط المغربي سيون أسيدون على القضية الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين، انخرط في النضال ضد كيان الاحتلال الصهيوني، والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في نيل حريته.
ينحدر أسيدون من عائلة مغربية يهودية ذات أصل أمازيغي، ولد في ماي 1948 بمدينة أكادير، أكمل تعليمه الجامعي في فرنسا ثم قرر العودة إلى المغرب ليصبح واحدا من الوجوه المعروفة بمناهضتها لإسرائيل والمدافعة عن القضية الفلسطينية من خلال الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع ونشاطه في حركة المقاطعة العالمية “بي دي إس”.
يَعدّ أسيدون عملية “طوفان الأقصى” يوم السابع من أكتوبر انتصارا كبيرا للمقاومة الفلسطينية وصفحة جديدة في تاريخها، ويرى أن الاحتلال الإسرائيلي لم يكن ليتجرأ على ارتكاب فظائع في غزة لولا شعوره بفك عزلته في العالم العربي عبر اتفاقيات التطبيع التي وقعها مع عدد من الدول العربية ومنها المغرب.
ودعا أسيدون بلاده إلى فسخ وحلّ جميع التعاقدات التي أُبرمت منذ الإعلان عن استئناف العلاقات مع إسرائيل، وإغلاق مكتب “الاتصال الإسرائيلي” بالرباط. وأكد أن المقاطعة سلاح فعال في يد الشعوب لدعم مقاومة الفلسطينيين، وأن تأثيرها وأثرها جعلا دولة الاحتلال تصنفها خطرا إستراتيجيا.
إضافة إلى ذلك، أخذ عدّة مثقّفين من اليهود العلمانيين موقفاً معادياً للصهيونية السياسية. وكانت حنة آرنت (1906-1975)، المنظّرة السياسية، واحدة من هذه الوجوه التي رأت في قيام دولة إسرائيل إجحافاً بحقّ السكّان الأصليين من العرب. وارتأت قيام كيان فيدرالي على مستوى الإقليم يضمّ كلّ الأطياف الدينية والاجتماعية في المنطقة، ومن بينهم اليهود. وقد سلك الفيلسوف اليهودي الألماني والتر بنيامين (1892-1940)، صديق آرنت، نفس المسلك من ناحية الدعوة إلى دولة ثنائية القومية.