عملت فرنسا منذ احتلالها المغرب على اتباع سياسة تعليمية تقصي اللغة العربية لصالح اللغة الفرنسية، وتهمش المواد الدينية لصالح مواد أخرى، مع الحفاظ على مستوى تعليمي يحمي فرنسا من تفوق المغاربة ويبقيهم في تبعية مطلقة لسياستها وفكرها وثقافتها.
وبخصوص هذا الأمر يقول “الكابيتان أدينو” (مدير الاستخبارات لمدينة فاس وضواحيها، وهو أحد كبار منظري احتلال المغرب والخطة التعليمية) في كتابه “محور السياستين”: “لا، لا نسعى في هذا الأمر أبداً، وإذا فعلنا وبالغنا في تعليمهم فإنما نحن جالبون على أنفسنا خطراً عظيماً يقف بوجه مهمتنا هنا.
إنه لا يجب إعطاء أبناء المسلمين من العلم والمعارف، إلا ما كان لهم كافيا ليرضوا بمقامنا جانبهم أبدا.
الإسلام تهديد لفرنسا وخطر عظيم على نفسها، لأنه لو انحاز المسلمون عن جانب فرنسا لكان في ذلك الضرر الكبير على قوَّتنا.
أليس من الواجب علينا إذن أن نقلل من درجة قوتهم وديانتهم الزاهرة التي تودُّ صعوداً وانتشاراً؟ وإنا ليشتد خوفنا من اجتماع طوائفهم المختلفة يوماً ما على كلمة واحدة واتفاقهم عليها..”.
ويقول “موريس بوكلاي” في مقال بعنوان (المدرسة الفرنسية لدى البربر): “يجب أن نحذف تعلم الديانة الإسلامية واللغة العربية في مدارس البربر، وأن تكتب اللهجات البربرية بحروف لاتينية.. وأن نعلم البربر كل شيء ما عدا الإسلام” (مظاهر يقظة المغرب المنوني).
أما الماريشال ليوطي فيقول في تقريره السري المرفوع لوزارة الخارجية الفرنسية في 03/12/1920: “وأما التعليم فبواسطته يمكن أن يتم العمل الأكثر عمقا والأشد تأثيرا في تطور الفكر المغربي الجديد، فبواسطة المدارس وحدها يمكننا أن نهيئ النخبة المتأهلة للمشاركة معنا، وتكون العنصر الحي والأهم في موظفي الحماية..
وعندما نمرن النخبة على الاشتغال معنا والاعتماد علينا، سنكون أقل خوفا عليها من أن تتطور في اتجاه مخالف لما نريد، أو تخضع لمؤثرات خارجية وإيحاءات ثورية (ص:27-28)”.
وقد حرص العلماء والمقاومون المدافعون على هوية بلدهم أن يحصل المغرب على استقلاله من نير الاحتلال وسياساته المدمرة لكيان الأمة المغربية الإسلامية، حتى يتمكنوا من تدبير شؤونهم وفق الشريعة الإسلامية، مع الاهتمام بالتعليم العصري الذي يحافظ على معالم تلك الهوية المتمثلة في اللغة العربية والدين الإسلامي.
لكنهم تفاجأوا باستمرار الاحتلال في شكله الفكري والقيمي، وقد كان أخطر عليهم من الاحتلال العسكري، إذ استطاعوا طرد الأول لكنهم لم يستطيعوا محاربة الثاني لتمكنه من دواليب تسيير البلاد في جميع مجالاتها؛ ومع ذلك أبوا إلا أن يواجهوه بما تيسر لهم من قوة من خلال رفع المذكرات والبيانات لمن يهمهم الأمر.
وبين أيدينا نموذجين من تلك المواجهة، الأول: مذكرة لرابطة علماء المغرب تستنكر استمرار نظام مدرسة الحماية الفرنسية (سنة 1978م)، والثاني بيان لـ500 عالم ومفكر وأديب وشخصية مغربية يرفضون استمرار سيطرة الفرانكفونية على فصول ميثاق التربية والتكوين المغربي (سنة 2000م)، وإليكم نصهما: