حتى لا يصير الإعلام عندنا إعلاما إباحيا!! إبراهيم بيدون

لن تجف أقلام الذائدين عن الدين التي يحاول العلمانيون كسرها لأنها تزعج تمرغهم المتسيب في الشهوات، ولن يخرس صوت المنافحين عن هوية المغاربة، ولن يأل الغيورون عن الأخلاق الإسلامية السامية جهدا في التصدي لمن يحاربون قيم المغاربة المسلمين، ولن يكف حماة الفضلية عن ممارسة حقهم في التحذير من سفه العلمانيين وعبثهم، رغما عن دعاة الرذيلة الذين ينصبون شباك الإفك ليوقعوا بنات وأبناء هذا الوطن المسلم، ويلبسوا عليهم دينهم الذي ارتضاه لهم ربهم، حتى ينغمسوا في وحل الحداثة التي أصبحت لدى العلمانيين ترادف التخفف من تعاليم الدين، وحتى يرتعوا في نتن فكر الحرية الفردية التي تتبرأ من كل قيد لتمارس كل فحش متوارين خلف مفاهيم إسلامية حرفوا معانيها قصد هدم الدين بالدين من قبيل: “لا إكراه في الدين” (“ويبغونها عوجا”، “حق أريد به باطل”)، و”لا إكراه في المعاملات”، وهم مع ذلك لا يملون من تكرار كلام ظاهره الواقعية وحقيقته استسلام لدواعي الفساد مثل قولهم: “لا إحصان زمن انتشار الزنا”، في صفاقة وجه لا يمتلكها إلا من تفسخ وازع الدين في قلبه داعين إلى ترك الناس يموجون في المحرمات والرذائل حيث يقذفون بكل تفحش في وجه من ينكر عهرهم بكلام من وحي أنفسهم الآمرة بكل سوء “لا إكراه على العفة”.
ومع هذا كله، فلا زال ميزاب الصحافة العلمانية يقذف صور العري الفاحش دون انقطاع كما تقذف قنوات الصرف الصحي فضلات الناس، إلا أن الفارق بينهما أن ميزاب الصحافة العلمانية يصب قذارة ما تنتجه عقول العلمانيين من أعلى شرفات جرائدهم ومجلاتهم لتلطخ أعين وعقول الشباب المسلم المراهق، بينما قنوات الصرف الصحي تبقى مدفونة في أعماق الأرض تحفظ قذارة ما فيها حتى تصبه في البحر فيختلط بمائه الطهور فيبدده دون أن يشعر به أحد.
لقد أضحت الموضة مثلا عند جريدة الأحداث في صفحتها الأخيرة فيما تسميه “النافذة الفنية” إبراز الصدور وإظهار الأثداء، فمن يختار صور المغنيات والممثلات في هذه النافذة يحرص أن يختار من ألبوم صورهن أكثر الصور عريا، وحبذا لو ظهر الثديين فإن صاحبنا مهووس بهما، ويحب نقل عدواه إلى كل من وقعت على تلك الصور عيناه، وإذا تعرضت الجريدة ومثيلاتها إلى استنكار أو اعتراض اتهمت المستنكر والمعترض بالكبت الجنسي، وكل العقد الجنسية، لأنه تعفف وترفع عن مستواها البهيمي الذي لا يفرق بين الأفواه والفروج، أعز الله قراءنا، وأسألهم المعذرة فإنما هذا من قبيل رد أبي بكر الصديق على عروة بن مسعود لما شكك في إخلاص الصحابة فقال له رضي الله عنه: “امصص بظر اللات”.
فأين القائمون على الرقابة الإعلامية عندما نجد المجلات التي تنشر صور النساء عاريات كما ولدتهن أمهاتهن؟
وما الفائدة من نشر مجلة سيتادين (عدد 25) لصورة غلاف مجلة غربية للعري (مجلة GQ) وعلى الغلاف صورة امرأة عارية لا تلبس شيئا سوى ربطة عنق، مصحوبة بتعليق سخيف: “جينفير أنستون تتعرى على غلاف GQ” وبتصريح لهذه العارية: “أنا الآن أكثر صحة، ومتصالحة مع فكري وجسدي من أي وقت مضى”؟
وإذا استحضرنا أن مجلة “ستادين” هذه هي المجلة التي تكرم النساء كل عام في مسابقة “خميسة” علمنا حقيقة هذا التكريم والهدف من وراء تلك الهالة التي تعطى لها على القناة الثانية كل سنة.
إن القصد من ذلك نشر ثقافة الغرب العلمانية التي تريد من نسائنا التحرر بترك حجابهن، وبأن يتصالحن مع أجسادهن بترك كل خرقة من شأنها أن تعتم الصورة والمتعة على عيون من يتلذذون برؤيتها!!
فنضج المرأة في الثقافة العلمانية هو عندما تظهر على الناس عارية من كل ملابسها، وعارية من عفتها وحيائها، وعارية من كل خلق ودين..
ثم أين الرقابة من هذه السينما التي يشرف على دعمها العلمانيون والتي اتخذت الإثارة الجنسية أهم عناصر إنتاجاتها الهزيلة، حيث تكثر من لقطات التقبيل والعناق المحرم ومشاهد ممارسة الزنا (فيلم “ماروك”، “حجاب الحب”)، والتطبيع مع الخيانة الزوجية (“سميرة في الضيعة”)، وممارسة العادة السرية، وكلام الشارع المستخرج من معجم الفحش والفسق والرذيلة (“كازانيكرا”)..
كل هذا بحجة تعرية الواقع، وتصوير ظواهر اجتماعية…، وما قصد هؤلاء إلا إفساد منظومة الأخلاق الإسلامية واستبدالها بمنظومة اللاأخلاق العلمانية، وترويج منتوجهم لرفع مداخيله المادية، وإحراز الجوائز في المهرجانات الوطنية والعربية والعالمية التي يجنون من ورائها الدعم لمشاريعهم والمشروط بالتزام محاربة القيم والأخلاق الإسلامية.
إن الصحافة العلمانية التي تسيطر عليها صورة الإثارة الجنسية، لا تخدم قضية الدفاع عن المرأة وعن حقوقها التي يتشدق بها أدعياء تحررها، بحيث لا نجد إلا التركيز على جسد هذه المرأة وتسويقه وتسليعه لإشباع الغريزة البهيمية المستقرة في قعر النفس البشرية، التي تعمل السينما المتفحشة على العزف على أوتار الشهوة استدرارا لدراهم المشاهدين مقابل التذاكر التي يحدد عدد مبيعاتها نجاح الفيلم من عدمه.
إن فهم ارتباط الصورة الجنسية بالصحافة والسينما العلمانية يفسر قيام المذهب العلماني المادي على الترويج لفلسفات الوجودية والداروينية والفرويدية التي ترى في تحصيل اللذة والمتعة الجسدية إدراكا لماهية الحياة، وهو ما يلزم منه التحرر من كل القيود الشرعية بل حتى القانونية، ليظهر الجنس وكأنه المحور الذي تدور عليه العلاقة بين بني البشر وسر وجودهم واستمرارهم..
ثم إن الجنس في الفكر العلماني باعتباره طاقة غريزية شهوانية يحتاج إلى تحرير وإشباع، إما في شكل ممارسة جنسية لا تراعي مفهوم الشرعية -إذ الإشباع ليس من وظيفته البحث عن القانونية والشرعية-، وإما في شكل إعلاء، وهو نوع من التفريغ التعويضي الذي يجعل الفرد منشغلا بموضوعات أخرى يفرغ فيها مكبوتاته الجنسية، وهو ما نراه في الشارع والسينما والصحافة العلمانية..
فمتى سنمتلك إعلاما واعيا بمهمة الإصلاح، وخاليا من الإثارة والصورة الجنسية؟
أم أن الفساد الإعلامي هو الذي سيبقى مسيطرا في ظل هيمنة الصهاينة العلمانيين على الإعلام والسينما العالميين؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *