الله تعالى يتصرف في كونه كيف يشاء

إن كل التغيرات الَّتي تحدث في الكون كالزلازل والأعاصير والعواصف والفيضانات لهي من آيات الله العظيمة الدَّالة على عظمته وقوته وجبروته وكبريائه، فينبغي للعاقل أن يقف عندها، ويتدبرها ببصيرته، ويحذرَ القسوةَ والغفلةَ المانعتين من التدبُّر والاتِّعاظ.
فالله تعالى على كل شيء قدير وفعال لما يريد، ولواسع علمه وكمال قدرته لا يمتنع عليه أمر ولا يعجزه شيء، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون﴾[يس:82]، ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾[فاطر:44].
روى البخاري (4628) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لما نزلت هذه الآية: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ﴾[الأنعام:65]، قال رسول صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك، قال: ﴿أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾[الأنعام:65]، قال: أعوذ بوجهك، ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ﴾[الأنعام:65]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هَذَا أَهْوَنُ أَوْ هَذَا أَيْسَرُ».
وله في خلقه وحكمه وقضائه وبلائه الحكمةُ البالغةُ والحجَّةُ الدَّامغة، ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ الله وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون﴾[القصص:68]، وكلُّ ذلك دليلٌ «على أنَّه هو وحده الفعَّالُ لِمَا يريد المدَبِّرُ لخلقه كيف يشاء، وأنَّ كلَّ ما في المملكة الإلهيَّةِ طوْعُ قدرته وتحت مشيئته، وأنَّه ليس شيءٌ يستَقِّل وحده بالفعل إلاَّ الله» «مفتاح دار السعادة» لابن القيِّم (2/1280).
والمسلم بما يحمل من عقيدة التوحيد، يعلم أن الضر والنفع بيد الله، وأن ما يجري من زلازل وبراكين وأمطار وأعاصير ورياح وكسوف وخسوف إنما هي بقدر من الله لحكمة يريدها الله، علمها البشر أو غابت عنهم. ويعلم المسلم أيضاً أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الواجب علينا عند حلول المصائب الصبر والاحتساب وسرعة الرجوع والتوبة إلى الله.
والزلازل من أشد الأسباب الطبيعية التي يقدرها الله تعالى تخويفاً لعباده كما قال تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} الإسراء: 59. وقال تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون} الأنعام: 65.
فمن أمر الأرض فتحركت ليهلك أمما ويبتلي آخرين هو المتصرف في الكون المدبر له سبحانه، يفعل ما يشاء، قال عز وجل: (فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) إنها السنن التي لا تتبدل، ولا تتخلف، ولا تحابي أحدا، (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من اغتر بنفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *