دكتور إدريس هل تتوقعون محاولة استنساخ التجربة التونسية في تغيير أحكام الإرث، هنا في المغرب؟
هذا الأمر وارد جدا طبعا، لا ينبغي أن ننسى أن تونس كانت دائما نموذجا لعدد من المثقفين والحقوقيين المغاربة، خصوصا الناشطين في الحقل النسائي، طيلة العقود الماضية ومنذ أيام الحبيب بورقيبة، ليس في المغرب فحسب في العالم العربي أيضا.
إذا عرفنا أن بورقيبة كان أول حاكم عربي يتجرأ على أمور في الدين لم يتجرأ عليها أحد قبله في العالم العربي، إذا استثنينا نموذج أتاتورك في تركيا، فبورقيبة أراد أن يكون أتاتورك العربي.
النقاش حول الإرث انطلق في المغرب منذ بضع سنوات، ولا زلنا نذكر كلام الكاتب العام للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر في الموضوع قبل عام أو أكثر، وهناك أطراف تريد تقليد النموذج التونسي وهذا أمر واضح ومفروغ منه. إنما القضية أن المغرب لديه نظام خاص، هناك مؤسسة إمارة المؤمنين وهي منوط بها مهمة الحفاظ على الثوابت الشرعية والملك هو رئيس المجلس العلمي الأعلى، ولا يمكن لأي خطوة من هذا النوع أو غيره أن تحصل من دون مباركة هذه المؤسسة، بمعنى إمارة المؤمنين نفسها.
ما سنعيشه في الفترات المقبلة حول تصاعد النقاش حول هذا الموضوع، وأنا أعتبره نقاشا صحيا ومهما إذا توفرت فيه الشروط الموضوعية للنقاش دون أجندة سياسية، ففي المغرب يوجد تيار يدعو إلى التسوية في الإرث، ولا أقول المساواة، وهذا التيار سيظل موجودا ويجب الاعتراف به، كما يجب أن يعترف هو أيضا بنفسه كتيار له خط خاص، من دون إقحام الدين في المسألة أو الركوب على دعوى الاجتهاد الفقهي، عليه أن يكون شجاعا في الدفاع عن مواقفه وأن يعلن بأنه يريد قانونا مدنيا خارج الفقه.
ماهي فرص نجاح أو فشل ذلك؟
النجاح أو الفشل تحدده موازين القوى في الداخل والخارج بطبيعة الحال، وربما كان الخارج أكثر تدخلا في هذه المعادلة بين النجاح والفشل. لكن أعتقد أن الخصوصية المغربية كدولة مسلمة على رأسها إمارة المؤمنين يمكن أن تحول دون إعادة استنساخ النموذج التونسي في المغرب. هذا لا يعني أننا لن نعيش حالة من القلق السياسي والثقافي في المستقبل القريب بسبب محاولة تقليد المبادرة التونسية.
لماذا في نظركم النخبة التي تشتغل على تفتيت الهوية وتغيير القيم والقناعات والمعتقدات، معتبرة إياها قضايا حقوقية ملحة، لا نجد لها صوتا في القضايا الحقوقية الحقيقية التي تمس بالمعيش اليومي للمواطن ومشاكله مع الغلاء والسكن والصحة والمواصلات والتعليم…؟
مثل هذه القضايا موجودة في المغرب وهناك من يتبناها، لكن علينا أن نعرف بأن باراديغم حقوق الإنسان في العالم العربي يختزل اليوم في الجانب المتعلق بالقيم لا بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية اليومية للمواطنين. هناك حالة من الاستيلاب الفكري والسياسي لدى قسم من النخبة، وهو قسم صغير طبعا لكن له نفوذ، يحاول أن يرد كل عوامل التخلف والنكوص إلى القيم المجتمعية السائدة. في النهاية هذه العوامل ستظل موجودة لكن سنضيف إليها تفتيت القيم.
كيف ترى انعكاس مثل هذه القرارات التي تستهدف معتقدات الأغلبية، على تنامي خطاب التطرف والإرهاب؟
إنه سؤال شائك بالفعل، يؤسفني أن الباحثين الأوروبيين والأمريكيين يخوضون في هذه الأمور بينما لا نستطيع نحن في العالم العربي الإدلاء بآرائنا. ومن المثير للاهتمام أن هناك باحثين غربيين يقولون بأن التطرف العلماني يؤدي إلى تطرف التيارات الدينية الراديكالية.
هناك قضية خطيرة جدا بالنسبة لي، سبق أن نبهت إليها قبل خمس سنوات في مقال مطول، وهي أن التيارات الحداثية أو العلمانية -بالمعنى الشائع في المنطقة العربية لا بالمعنى الموجود في القواميس الفلسفية- تعتقد أنها بمساسها بعناصر الهوية والدين في العالم العربي سوف تحرج الإسلاميين أو تقضي عليهم، وهي تعتقد بأن الإسلام هو السلطة الرمزية للإسلاميين، ولكن هذا خطأ مميت.
على هؤلاء أن يفهموا بأن الإسلاميين هم أول خصوم الإسلام، وأنهم لا يخدمون الإسلام بل يوظفونه، وأن الإسلام هو تراث رمزي وحضاري للأمة، أي للمواطن العادي البسيط، لا لتنظيم سياسي. وبالنسبة للمغرب فإن الإسلام محفوظ بحماية الدولة له وإمارة المؤمنين وليس بالإسلاميين.
ـــــــــــــــــــــــــــ
* د. إدريس الكنبوري: الباحث في قضايا العنف والتطرف والفكر الإسلامي