لماذا اخترنا الملف؟

قطاع التربية والتعليم من القطاعات الكبرى في بلدنا التي تحتاج إلى إصلاح؛ وإعادة نظر؛ ووضع إستراتيجية واضحة وفعالة للحد من النزيف الدائم الذي يعرفه هذا القطاع.
فحسب ما عبر به أحد الأساتذة الفضلاء وهو ينفث نفثة مصدور: “في قطاع التعليم ما من موسم إلا والذي بعده شرٌّ منه”.
بمعنى أن الأساتذة باتوا يتوقعون بعد نهاية كل موسم دراسي أن الموسم الذي يليه ستتأزم فيه الأوضاع وتتردى فيه حالة التعليم داخل مؤسساتنا التربوية.
ولم يعد أمر فساد التعليم في بلدنا قاصرا على التعليم العمومي؛ بل شمل أيضا التعليم الخصوصي؛ حيث باتت العديد من المؤسسات الحرة العاملة في هذا المجال تحصر همها وشغلها في الجانب المادي؛ ولا تعير اهتماما للعنصر البشري؛ ناهيك عن المقررات الفرنسية المشبعة بالثقافة الفرنسية العلمانية؛ التي لا تعير اهتماما لدين وقيم وأخلاق البلد.
فالمنهج الدراسي في أي بلد يعتز بعقيدته وهويته يقوم على أسس ومنطلقات عقدية وفكرية واجتماعية يؤمن بها، لذا فلا بد أن يكون المنهج صادقاً في تمثلها وتحقيقها، لأنه من أهم الوسائل في تحديد شخصية المجتمع وكل فرد ينتمي إليه.
لذلك لما صدر التقرير الأمريكي المشهور “أمة في خطر” Nation at Risk قال الرئيس “رونالد ريجان” حينها: “لو أن هذه المناهج التي بين أيدينا فرضتها علينا أمة من الأمم لاعتبرنا ذلك اعتداءً سافراً علينا”.
قال ذلك لأنه يدرك جيدا أن الجيل الذي يتم شحنه وتعبئته بهذه المعلومات هو جيل الذي سيتشكل منه غدا الزعيم السياسي والخبير الاقتصادي والباحث الاجتماعي؛ وهو الجيل الذي سيتقلد مراكز القرار والمسؤولية.
ومن هنا نفهم سعي الدول الغربية الحثيث إلى تعميم مناهجها ومقرراتها الدراسية على كثير من الدول العربية والإسلامية؛ وبذلها أموالا طائلة لتحقيق ذلك.
ففي المغرب مثلاً تتعدد لدينا الأنساق التعليمية، فليس لدينا نسق تعليمي واحد، صحيح أنه يوجد لدينا في المغرب مؤسسات ثانوية، وأساسية أجنبية فرنسية بوجه خاص، ولكن الأخطر من ذلك هو اعتماد مناهج تعليم فرنسية في المدارس المغربية، بحيث إن رياض الأطفال الآن في المدن الكبرى: فاس والرباط والدار البيضاء ومراكش وأكادير.. مثلاً، تعتمد اللغات الأجنبية في رياض الأطفال منذ البداية، والكتب المدرسية المقررة للناشئة تأتي مباشرة من فرنسا -وغيرها- معبأة بحمولاتها الثقافية والفكرية الأخلاقية والعقدية.
إضافة إلى ذلك يعاني التعليم عندنا من تدهور كبير وعجز يميل إلى الشلل، وثمة انفصاما كبيرا بين ما يتلقاه الطالب طوال سنين دراسته وبين ما يعيشه في حياته أو تتطلبه ميادين العمل.
فتجده يحشو دماغه بركام من المعلومات التي لا يفهمها غالبا، ليستظهرها يوم الامتحان أو يستعين بما يحضره من وسائل الغش، ثم بعد ذلك يرمي بهذه المعلومات وراءه ليستقبل شحنة جديدة في العام الذي يلي، وهكذا دواليك.
وعندما ينهي دراسته ويحصل على الشهادة يحس بنفسه وكأن عقله عبارة عن قارورة مثقوبة من الأسفل كلما ملأها من فوق أفرغت من تحت.
ونحن اليوم إذ نرى واقع التعليم في بلدنا نجد أننا فرطنا كثيرا في جانب التربية والخُلـُق، وأصبح تعليمنا يركز على التعليم المهني، ويهدف إلى تخريج الموظفين والعاملين لا إلى تربية المجتمع وهدايته وتأطيره.
وباتت مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية مرتعا لعرض الأجساد العارية وانتشرت فيها العديد من السلوكات المخلة بالأخلاق والقيم؛ أما الوضع في الجامعات والأحياء الجامعية فقد وصل مرحلة متقدمة من الانحراف بلغت تخصص بعض الطالبات في مجال الدعارة والعهر.
لذلك كله يبقى موضوع التربية والتعليم في بلدنا يحتاج إلى أيد نظيفة وقلوب صداقة فكر ناضج وبرنامج واضح لإعادة القطار إلى سكته.
ووعيا منا بحساسيته هذا الموضوع وأهمية ارتأينا فتح هذا الملف.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *