كيف نقاوم حملة تشويه الإسلام والإساءة إلى رموزه؟

لا بد لقاومة هذه الحملة الشرسة على الإسلام وقيمه وأحكامه من وضع استراتيجية محكمة تتوحد فيها الصفوف وتتكاثف فيها الجهود للحيلولة دون بلوغ المناوئين والمسيئين لأهدافهم، ويمكن إبراز أهم منطلقات استراتيجية المقاومة في النقاط الآتية:

1- التقيد بضوابط الشرع الإسلامي
نقصد به: ضرورة التقيد بضوابط الشرع في رد الاعتداء؛ حيث لا يجوز مقابلة الإساءة بما لا يجيزه الشرع الحنيف، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “كل عمل ليس عليه أمرُنا فهو رد”، فكل عمل وقع بخلاف أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو مردورد على صاحبه.
ومن ذلك أيضاً: أن تكون النية متجهة للذب عن المقدسات والمعتقدات دون شوائب أخرى قد تنزع صفة القبول عن هذا العمل، وخلاصة القول في هذا الضابط أنه لن يُقبل من الأعمال إلا ما كان موافقاً للشرع، خالصاً لوجه الله تعالى.

2- إدراك البعد العقدي الباعث للإساءة
نقصد بذلك: اليقين بأن هدف الغرب من وراء الإساءات المتكررة للمقدسات الإسلامية دينيةٌ عقدية، وليست سياسية وحسب.
وقد جاءت شواهد القرآن لتدل على ذلك، ومنها: قول الله تعالى: {إن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} (الممتحنة:٢)
فالهدف الغربي هو صرْف المسلمين عن دينهم ومصدر قوتهم، ومنع الإسلام من التمدد والتمكن من الغرب عموماً ومن القارة الأوروبية على وجه الخصوص، والتي يريدونها نصرانية خالصة، حتى طالَب المرشح الرئاسي الجمهوري الأمريكي (توم تانكيريدو) دول القارة بالعمل على ترحيل العشرين مليون مسلم الذين يعيشون داخل أراضيها؛ لتحافظ أوروبا على هويتها النصرانية دون نزاع، وتقلِّل من الأخطار المحدقة على أمن الولايات المتحدة.
لذا، فإن إستراتيجية المقاومة يجب أن تركِّز على الجانب العقدي في المواجهة، ويكون هو ركيزتها ومنطلقها للتعامل مع الأزمة.

3- الإساءة الحالية امتداد لمنهج عدواني سابق
يجب أن يكون راسخاً في الأذهان أنَّ منهج الغرب في تعمُّد الإساءة والرغبة في القضاء على الإسلام هو امتداد لنهج جاهلي سابق؛ فمنذ بزوغ الرسالة المحمدية بدأت الإساءة التي سجَّلها القرآن في عدة مواضع، منها: قول الحق وتبارك وتعالى: {وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (ص: ٤).
وقوله: {إنَّهُمْ كَانُوا إذَا قِيلَ لَهُمْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} (الصافات). وقوله: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ} (الأنبياء).
فهذه الإساءة استمرار للجاهلية القديمة في تصدِّيها للدعوة الإسلامية، ومحاولة لوأدها ومنع انتشارها.
وقد فنّد القرآن تلك المزاعم بصورة قريبة من البيئة التي انطلقت منها، ودَحَض آراء المشككين بأقوى حجة وبيان، وهو برأينا يعطي تصوراً ضرورياً عن نوعية الخطاب الذي نواجه به الأزمة وكونه خطاباً يناسب البيئة الغربية التي تنطلق منها هذه الإساءات المتتالية.

4- استمرار المحاولة الغربية للوصول إلى الغاية
كما سبق وأوضحنا؛ فالغرب ينطلق من قناعات عقدية في محاولته الإساءة إلى المقدسات والعقائد الإسلامية. وعلى الرغم من قناعتنا بأهمية المواجهة الشاملة لهذه التجاوزات؛ غير أننا على يقين كذلك بأن الغرب سيستمر في محاولة النيل من هذا الدين والتصدي له بشتى السبل والوسائل. وتأكيداً لهذا النهج، يقول الحق تبارك وتعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة).
فلن يتحقق الرضا الغربي إلا بانسلاخ المؤمنين عن دينهم وانصرافهم عنه بالكلية حتى يتبعوا ملتهم وعقيدتهم، ومن ثم فإن إستراتيجية المواجهة لا بد أن تتميز هي الأخرى بالاستمرارية والشمول لمواجهة العدوان الغربي المستمر.
نخلص مما سبق إلى أن الإستراتيجية الضرورية للمواجهة ينبغي أن تتحلى بسمات أساسية، منها:
1- التقيد بضوابط الشرع الحنيف.
2- الارتكاز على قاعدة عقدية نقية.
3- مناسبة الخطاب والآليات للبيئة الموجَّهة إليها.
4- الاستمرارية والشمول.
5- التناغم والتكامل بين كافة الأطراف النشطة في مجال المواجهة.

كما أن تقوية الجاليات المسلمة في الغرب وتوحيد صفها، بحيث يمكنها القيام بأدوار أكثر فاعلية في صد هذه الهجمة؛ لكونهم أكثر قُرباً وفهماً للعقلية الغربية ومنطلقاتها وأجدرَ مَنْ يتعامل معها ويواجه سيل الإساءات، ومحاولة الخروج من مرحلة الدفاع العاطفي إلى الهجوم المؤسساتي (إنشاء مراكز الدراسات…) على القيم الغربية وتفنيدها مقارنة بالقيم الإسلامية؛ لإعلاء شأن هذه القيم وبيان تخلُّف القيم الغربية عنها، والتعريف بالإسلام ومقدساته، وخاصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من خلال عقد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والفضائيات التي توجَّه للغرب مباشرة؛ تعريفاً بالإسلام ومواجهة لما يدور حوله في العقل الغربي، مع العناية بترجمة وإصدار الكتب التي تخاطب العقلية الغربية وتزيل ما علق بها من أوهام عن هذا الدين وشرائعه، كلها وسائل ناجعة لصد العدوان وإبراز محاسن الشريعة السمحة.
وفي الختام، لا يسعنا إلا القول: إن مواجهة الإساءة للمعتقدات الإسلامية تحتاج إلى دَأَبٍ وصبر طويل، وتكاتف الجبهات المختلفة التي تستلهم في مواجهتها روح الجهاد والدفع عن الدين الخاتم الذي فيه خلاص البشرية من أسقامها وأمراضها، واضعةً نصب عينها أنه لن يكون النصر إلا بالصبر والمصابرة التي تعين على بلوغ المأرب والمراد، وبالإخلاص الذي يترفع عن أجندات خاصة وأهداف جانبية تضيع في ثناياها القضية المحورية. (انظر الإساءة إلى المقدسات الإسلامية منهجية الغرب وإستراتيجية المواجهة، عصام زيدان، مجلة البيان).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *